بقلم - عبد اللطيف المناوي
يتحدث العالم العربى منذ أكثر من عقدين من الزمان عن أهمية تجديد الخطاب الدينى، ولكن دون أن يأخذ خطوة جدية باتجاه هذا الطريق، حتى بدا كأنه مصطلح غامض لا يستطيع أحد فك رموزه أو شفرته.
زاد الحديث عن هذا التجديد بعد أن وصل عدد من الحركات الإسلامية إلى الحكم فى بعض البلدان العربية، بل توغل الفكر الداعشى فى عقول الكثيرين. تحدث عنه رئيس الجمهورية أخيراً، كما تحدث عنه رواد التنوير فى السابق، بل نخب ومثقفو العرب، وحتى بعض المنتمين إلى المؤسسات الدينية، لكن الطريق يظل ضبابياً غير واضح.
والسبب أن لا أحد رد على كتب الجهاديين التى تتطور يوماً بعد يوم فى مسألة تبرير سفك مزيد من الدماء، فلم يكن ظهور تنظيم داعش إلا تطوراً طبيعياً لحركات الإسلام السياسى التى ظهرت وتطورت بأشكال مختلفة طوال القرن الماضى، ولم يكن هذا التطور من فراغ، بل جاء مصحوباً باستراتيجيات وأفكار جهادية سلفية، بعضها قادم من بطون كتب التراث.
حرّك داعش عناصره فى فرنسا وبلجيكا وألمانيا، ونفذ تفجيراته، ويرهب العالم عن بعد، بل لم يعد بحاجة إلى طرق تجنيد القواعد القديمة، بعد أن أصبح يستخدم الإنترنت ومواقع التواصل الخاصة، وأصبح يصل إلى أجهزة الجميع، بل إلى الهواتف المحمولة مع كل شاب.
الكارثة أن الفكر الجهادى استطاع أن يطور نفسه على مدار السنوات الماضية نحو مزيد من الدموية والعنف، ومن خلال كتبه سنلاحظ ذلك، لكن فى المقابل، لنا أن نسأل ماذا قدمت النخب العربية خلال تلك المرحلة؟، هل استطاعت النخب ورواد التنوير أن يقفوا فى وجه قادة الظلام والجهل؟، أشك فى ذلك.
لدينا الكثير من المراكز البحثية، والكثير من حلقات النقاش، والكثير من الدراسات والكتب، لكن شيئاً من هذه الكتب لم يدخل فى صدام مباشر مع هذه الأفكار، بل يمكن القول إنها لم تصل إلى المستهدفين، الذين تصلهم رسائل الجماعات الجهادية.
نحن الآن على أعتاب انتصار عسكرى على الدواعش، يحدث ذلك فى سيناء والعراق، وربما فى سوريا خلال وقت قليل، بينما لا يعلم إلا الله توقيت الانتصار عليهم فى ليبيا، أؤكد مرة أخرى أن الانتصار عسكرى وليس فكريا، فنحن الآن أمام إشكالية كبيرة ومتجددة تتعلق بتوغل الفكر «الداعشى» فى عقول الكثيرين (ممن ليس لهم علاقة بالتنظيم الإرهابى) رغم تحرير كثير من المدن والمناطق، وهى إشكالية تحتم علينا إزالة مخلفات «داعش» الفكرية بالمواجهة أولاً، قبل الحديث عن أى انتصار أو تجديد.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع