بقلم - عبد اللطيف المناوي
منذ بدء الحرب على غزة شهدت بعض الدول العربية، ونحن فى المقدمة، دعوات متنامية لمقاطعة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل.
وطالت هذه الدعوات عددًا من أشهر العلامات التجارية العالمية التى تحظى بشعبية واسعة فى الأسواق العربية، خاصة بعد إعلان العديد منها موقفه الداعم للكيان الصهيونى من خلال فروع لبعضها فى إسرائيل، ولعل أكثرها صدى كان إعلان أحد هذه الفروع عن توزيع آلاف الوجبات المجانية لأفراد بالجيش الإسرائيلى.
وانتشرت دعوات المقاطعة، التى أطلقها شباب متمرّسون فى مجال التكنولوجيا، على مواقع إلكترونية مخصصة وتطبيقات على الهواتف الذكية فضلاً عن منشورات إعلانية فى الشوارع تحدد المنتجات المطلوب مقاطعتها، مقرونة بصورٍ لأطفال ملطّخين بالدماء، وإرفاق تلك الصور بشعار صادم يقول: «هل قتلتَ اليوم فلسطينيا؟»!
ومع تزايد تلك الدعوات وظهور صور عبر مواقع التواصل الاجتماعى تشير لفروع خالية من العملاء فى عدد من الدول العربية، بادرت بعض تلك العلامات التجارية بالإعلان عن حملات تبرع للفلسطينيين، مؤكدة عدم ارتباطها بالموقف المعلن من الشركة الأم، أو من الفروع الأخرى داخل إسرائيل. مثل ما فعله أحد أشهر المطاعم العالمية الذى أصدر بيانًا يؤكد فيه أن لا علاقة له بـ«التصرف الفردى» من قبل الوكيل فى إسرائيل، وأنه «لا يموّل أو يدعم بأى شكل من الأشكال أى حكومات أو جهات داخلة فى هذا الصراع».
ويبقى السؤال المهم هنا، وهو: هل ما اُصطلح على تسميته بـ«سلاح المقاطعة» هو سلاح توجه فوهته بحق إلى الهدف المرجو، وهو عقاب الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل، أم أن الفوهة موجهة إلى أقدامنا وصدورنا نحن؟. أظن أن غياب الثقافة الاقتصادية وعدم معرفة أسس الاقتصاد يجعل الكثيرين غير قادرين على الإجابة الصحيحة.
الحقيقة أن معظم العلامات التجارية هنا هى أموال مصرية ويعمل فيها مصريون، والشركة الأم صاحبة العلامة لا تستفيد إلا بالقليل جدًا من حق استخدام علامتها التجارية، أى أن حجم الضرر الذى سيقع على هذه الكيانات الدولية لن يتخطى نسبة مئوية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
لهذا حذر الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية من أن المقاطعة قد يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد المصرى، وأكد فى بيان أن مثل تلك الحملات لن يكون لها أى تأثير على الشركات الأم، لأن الفروع المحلية تعمل بنظام الامتياز التجارى، وبالتالى فإن الأثر سيكون فقط على المستثمر المصرى والعمالة المصرية.
المريب فى الأمر، هو استغلال بعض أصحاب المنتجات الأخرى لحالة المقاطعة تلك، والترويج لمنتجاتهم باعتبارها منتجات لشركات مصرية 100%، مثل إحدى شركات المياه الغازية المصرية القديمة، التى كانت شعبيتها ضئيلة جدًا، ثم حدث لها رواج كبير هذه الأيام كبديل للعلامتين الشهيرتين فى مجال المياه الغازية، وهو ما يثير الشكوك بعدم صدق النوايا.
أعتقد أنها لعبة اقتصادية تدفع ثمنها شركات مصرية ورأسمال مصرى لديه حق استخدام العلامة التجارية العالمية، أما أكبر دافع للثمن فهو من يعمل فيها من بسطاء المصريين.