بقلم - عبد اللطيف المناوي
بالنسبة لى ما حدث أمس فى جنين الفلسطينية من اغتيال الصحفية شيرين أبوعاقلة كارثة إنسانية، تضاهى كل الكوارث التى تعانيها الشعوب. نعم، أعلم تمامًا أنها ليست الحادثة الأولى، كما أعلم أنها لن تكون الأخيرة، ولكن مثلما كانوا يقولون إن موت راوٍ شعبى يساوى موت أمة، فموت صحفى بهذه الطريقة هو موت للإنسانية والحق فى الوصول إلى المعلومة والخبر والفكرة.
لا أعرف شيرين أبوعاقلة عن قرب، ولا أعرف أفكارها أو ميولها أو حتى ديانتها التى تحولت بقدرة قادر بالأمس إلى مسار حديث يختلف فيه المختلفون حول إمكانية الترحم عليها من عدمه. لا أعرف شيرين عن قرب، ولو كنت أعرفها لكنت نصحتها أن تتوخى الحيطة والحذر مع أُناس يسهل عندهم القتل.
أعرف شيرين المراسلة التى رأيناها جميعًا على شاشة قناة «الجزيرة» أثناء انتفاضة الدرة فى بداية الألفينات، كانت فتاة لم تكن تبلغ الثلاثين من عمرها، اختارت أن تعيش على حافة النار، بين الرصاص والقنابل، بدلًا من حياة الفتيات فى سنها. اختارت أن تكون أمام الشاشات تنقل الصورة مهما كلفها من مشقة. اختارت أن تؤدى عملها على أكمل وجه.
نختلف مع قناة الجزيرة، وسياساتها، هذا أمر لا مزايدة فيه، ولكن لا نختلف مع الإنسانية، ولا نختلف مع حق العالم فى المعرفة. لا نختلف مع ضرورة أن يمارس الصحفى عمله فى ظروف آمنة، ولا مع ضرورة تدخل الهيئات والمؤسسات الدولية الكبرى فى ذلك. نختلف مع الجزيرة ولا نختلف مع شيرين أبوعاقلة، السيدة التى دفعت حياتها ثمنًا لعملها.
«كانت معكم شيرين أبوعاقلة» وارتقت إلى السماء، هذه حقيقة. رحلت شيرين ويجب أن يكون فى رحيلها عبرة وفرصة، بضرورة أن التحرك- كأفراد ومؤسسات إعلامية وغير إعلامية- لفتح تحقيق عاجل حول اغتيالها، يكون تحت إشراف جهات دولية مشهود لها بالنزاهة، على أن تُعلن نتائجه إلى العالم، وتتم معاقبة المسؤول، كما تؤخذ ضمانات أكثر على حرية عمل الإعلاميين والصحفيين، وحقهم فى نقل الصورة الكاملة لحقيقة الأوضاع على الأرض.