بقلم - عبد اللطيف المناوي
أذكر أننى من بين الذين اشتروا العدد الأول من مجلة «المجلة»، حيث وجدت فيها منذ اللحظة الأولى حلمًا فى أن أمارس مهنة الصحافة منها، وقتها كنت فى الجامعة، وتشاء الصدفة أن يسألنى المحاضر فى إحدى قاعات الدرس إن كنت أريد أن أعمل فى «المجلة» بعد أن أنهى دراستى! لم أصدق السؤال ولكن انطلقت الإجابة بالتأكيد.
ولما انتهيت من امتحانات البكالوريوس علمت أن المحاضر الذى سألنى يريد أن يرانى لأعمل معه فى المجلة التى كان مديرًا لمكتبها فى القاهرة فى ذلك الوقت.
الحلم يتحقق، حيث التحقت فعلًا بها، وقد تمكنت فى الأشهر الأولى من أن أجرى أول لقاء صحفى على الإطلاق مع السيدة جيهان السادات بعد وفاة زوجها، وكان ذلك فى استراحتها بالمعمورة بمدينة الإسكندرية.
لم أغضب من عدم وضع اسمى على حوار جيهان السادات، فرحتى بنشره كانت أكبر من أن أغضب من الشخص الذى عرض علىّ تنفيذ وعده منذ أكثر من عام فى تحقيق حلمى بالعمل فى «المجلة».
فى هذا اللقاء كانت بداية إعادة النظر من جانبى فى تقييم أنور السادات الدور والشخص الذى كنت أعتبر نفسى من أكثر معارضيه، إلا أن الحب الذى حملته هذه السيدة له دفعنى لإعادة قراءة مواقفه، فلا يمكن لشخص قادر أن يدفع إنسانا لأن يحبه آخر بهذا القدر إلا إذا كانت لديه جوانب جديرة بهذا الحب، وكان هذا هو الدرس العملى الأول، لا مجال للأحكام المطلقة، كل الأمور فى الدنيا لها على الأقل وجهان.
سريعًا أصبحت مديرًا لمكتب «المجلة» بالقاهرة، وقد أجريت العديد من الحوارات مع رموز المعارضة المدنية والدينية وقمم فكرية مصرية، وتغطيات لأحداث مهمة وقتها مثل مقتل الجندى سليمان خاطر أو شركات توظيف الأموال، كما كنت شاهدا على انتفاضة السودان عام ١٩٨٥.
أتذكر جيدًا تلك الرحلة التى قمت بها إلى البوسنة وقت الحرب هناك، أو اللقاء الأول فى العالم مع متهمى «لوكيربى» فى طرابلس، وأظن أن «المجلة» كانت رائدة بحق فى هذا المجال فى وقت مبكر.
منذ فترة زرت المكان الذى كانت فيه مكاتب المجلة فى الدور الرابع من دار الصحافة العربية فى لندن، ورغم مرور السنين انتابنى شعور جارف بالحنين للمكان والأشخاص الذين عملت معهم لفترة طويلة من حياتى.
هذه هى الصحافة، كالحياة بالضبط، دروس وعبر ومحطات، نغوص فى واحدة، وينتابنا الحنين إلى الأخرى، نخرج من تجربة إلى رحاب تجربة أخرى.