بقلم - عبد اللطيف المناوي
المقاومة هى أنبل الفضائل، وما يعطيه أطفال غزة لنا من صور مستمرة تظهرهم يضحكون ويلعبون ويقرأون، رغم المآسى والقصف المستمر الذى يحصد مئات الأرواح يوميا، دروسا للتأمل. ضحكاتهم فى الصور القليلة التى باتت تصل لنا بعد محاولة تل أبيب لحجب هذه البقعة عن العالم بقطع كل وسائل الاتصال، كفيلة أن تبكينا وتعطينا مزيدا من الأمل حول المستقبل. تحولت أجزاء من المدارس المدمرة وأماكن التجمع الباحثة عن أى إحساس بالأمان إلى تجمعات للأطفال يحاولون فيها استعادة الأمل.
هذا هو الإحساس الذى انتابنى فى ثلاثة مشاهد حدثت أمامى أثناء آخر مراحل «تحدى القراءة العربى»، المبادرة المهمة التى أطلقها منذ سنوات، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
المشهد الأول كان لطفلة من فلسطين، شاركت فى «تحدى القراءة» رغم كل الصعوبات التى تواجهها، ورغم كل المعوقات، إلا أنها تحدتها جميعا، ورغم أنه لم يحالفها الحظ فى الوصول إلى المرحلة النهائية من التحدى، إلا أن كلماتها التى ظهرت فى الفيلم الذى عُرض فى الحفل امتلأت بالحماس والإرادة؛ حماس وإرادة ربما يفتقدها أطفال آخرون لم يتعرضوا لنفس الأزمات التى تعرضت لها هذه الفتاة فى حياتها، وأبرزها أن أباها أسير فى سجون الاحتلال!.
المشهد الثانى هو مشهد المتسابقة السورية التى وصلت إلى المرحلة النهائية من التحدى، ووقفت أمامنا جميعا، أمام الشيخ محمد بن راشد وأفراد من الحكومة وشخصيات بارزة ثقافية وإعلامية من الوطن العربى بأكمله، لتحكى عن حبها وشغفها بوطنها سوريا، لكنها لم تغالب دموعها التى انهمرت عندما تحدثت عن آثار الدمار الذى خلفته الحرب التى استمرت نحو ١٠ سنوات.
بكت الفتاة وتحشرج صوتها، وسط دعم وتصفيق الحاضرين الذين يفهمون معنى الحرب، ومعنى أن تعيش تحت قصف متواصل، وتحت تهديد مستمر، لكنها أعطت الأمل من جديد، وعادت لتكمل كلمتها، بصوت مقاوم، ونظرات من أمل.
أما المشهد الأخير فكان رد الفعل الكبير عندما عُزف السلام الوطنى الفلسطينى فى لوحة قدمت كل أناشيد البلاد العربية، حيث قوبل بتصفيق كبير، وهو رد فعل ينم عن أن القضية الفلسطينية فى قلوبنا جميعا قبل أن تكون فى قلوب الفلسطينيين وحدهم، أو فى قلوب الساسة الفلسطينيين وقادة الفصائل. هذه المشاهد الثلاثة أكدت لى أن فعل المقاومة سواء بالفعل أو بالكلمة وبالعلم شىء متأصل فى الطفل العربى. استطعت تلمس ذلك أيضا فى مواقف الشباب والأطفال هنا فى مصر دعما للقضية الفلسطينية ولأطفال غزة الذين يستشهدون يوميا، ولمستها أيضا فى رغبة مئات الأطفال الذين حضروا حفل تحدى القراءة على صناعة مستقبل عربى مبهر.
المقاومة ضد العدو مهمة، والمقاومة أيضا ضد الجهل والتسطيح لا تقل أهمية، ولنا فى صور الأطفال الفلسطينيين فى المخيمات وبين ركام المبانى المتهدمة بفعل صواريخ إسرائيل أسوة حسنة.