بقلم - عبد اللطيف المناوي
الضربات تتوالى على رأس «التعليم» فى مصر، لا أقصد شخصًا بعينه ولا الوزارة التى تدير العملية التعليمية، ولكن أقصد المنظومة كاملة.
لا أقصد بكلامى هذا ما حدث فى الامتحانات الأخيرة وأزمات التسريب المستمرة ووقوع «السيستم» وتعطيله ومشكلاته المتكررة، ولكن أقصد الشكل العام لـ«التعليم» فى مصر.
الحديث عن أهمية «التعليم» يبدو مُكرَّرًا إلى حد الملل، والحديث عن ضرورة تطوير المنظومة أيضًا كذلك، وهو ما يجعلنى أعود إلى أكثر جملة معتادة ومُكرَّرة حول أهمية «التعليم» لبلدنا، وهى مقولة طه حسين، التى أطلقها منذ أكثر من 75 سنة: «التعليم كالماء والهواء»، فهو فعلًا كالماء والهواء.
أشكر وزير التعليم، الدكتور طارق شوقى، على محاولاته الكبيرة والمستمرة لتطوير «التعليم» ومنظومته، والذى ربما يكون قد حاول أن يُغير الطريقة التى مارس بها أسلافه التطوير بأسلوب انتهى إلى هذا الحال من التدنى.
وأُعيد من جديد القول بأن أى منظومة مهما كانت قوتها لابد أن تعانى الضربات والخروقات والهنّات حتى تصير أقوى رسوخًا وانضباطًا، ولكن ما أنوى النصح به- إن جاز لى النصح- هو أن يصبح تطوير التعليم مشروعًا قوميًّا كبيرًا واستراتيجية مستمرة.
فالولايات المتحدة الأمريكية، وهى القوة العظمى فى العالم، لم تكن راضية عن مستواها فى التعليم فى مرحلة ما، وقد صدر فى بداية الثمانينيات من القرن الماضى تقرير بعنوان «أمة فى خطر»، وكان صرخة أظهرت مدى الخطر الذى يهدد «التعليم» فى أمريكا، والذى نتج عنه انخفاض فى المستويات التحصيلية والأكاديمية للطلاب الأمريكيين. وكان من نتائج هذا التقرير أن جعلوا من «التعليم» قضية استراتيجية تحتل الأولوية والصدارة على أجندة الدولة وسياساتها الداخلية، فضلًا عن ارتباطها بقضية البحث العلمى ارتباطًا وثيقًا.
الأفكار كثيرة، والمقترحات- لا شك- عديدة، وعُقد بسببها الكثير من المؤتمرات واللقاءات، ودارت حولها النقاشات، بعضها علمى وبعضها ليس كذلك، ولا أظن أن الوزارة أهملت تلك الأفكار، ولكنها أهملت أهم فكرة، وهى الإيمان الحقيقى بمقولة طه حسين، فـ«التعليم» يتطور ولكنه ليس كالماء والهواء.
«التعليم» وفقًا لتعريف الوزارة يتطور، ولكن وفقًا لتعريف الإنسان، صانع الحضارات والتقدم والتفكير فى المستقبل، لا يزال فى مكانه ساكنًا يعانى أحيانًا شكاوى أولياء الأمور من صعوبة الامتحانات، ويعانى كذلك اختراق المنظومة وأزماتها.
نصيحتى، إن جازت النصيحة، لمَن يدير الملف، أن يعتمد مقولة «التعليم كالماء والهواء» فى كل فكرة وقرار وأسلوب ينتهجه فى التطوير. والأهم أن يكون أصحاب التطوير هم جماعة المجتمع وليس الأمر حكرًا على أحد مهما علا شأنه. الدراسة العلمية واعتبار الأبعاد الاجتماعية والثقافية أساس النجاح الحقيقى.