بقلم - عبد اللطيف المناوي
«محتاجة مقال»، هكذا ختم صديق لى رسالته عبر التليفون وصحبها بثلاث صور، صورتين لقرارى مجلس الوزراء، أحدهما خاص باعتبار يوم الاثنين إجازة بمناسبة شم النسيم، والقرار الثانى باعتبار يوم الأحد، اليوم، إجازة بدلا من يوم عيد العمال. الصورة الثالثة لقرار صدر عام 1953 عن مجلس وزراء الثورة فى هذه الأيام مصحوبا بصورة لمحمد نجيب وجمال عبدالناصر معًا، ينظم هذا القرار أيام العطلات المصرح فيها «للموظفين والمستخدمين المسيحيين واليهود بالتغيب فيها» وطبعا فيها يوم عيد القيامة المجيد. وعلق صديقى بقوله «كل سنة يتسببوا فى أزمة رغم أن حكومة الثورة خلصت الموضوع من ٧١ سنة». والسؤال هنا: هل فعلا هناك مشكلة؟ تقديرى أن المشكلة فى معظمها مشكلة تواصل وحساسية.
لم يكن إعلان القرار موفقا دون الإشارة، ولو بتصريح أو إصدار قرار خاص بإجازة عيد القيامة، لأنه بالفعل إجازة للمصريين المسيحيين وللبنوك كل عام. حتى لو كان الأمر مسلما به الآن أنه يجب أن يكون هناك حس سياسى فى التعامل مع الجماهير. تظل مسألة أسلوب ولغة التواصل إحدى أهم الأدوات التى تنجح بها أى مؤسسة فى تحقيق أهدافها وكسب جمهورها. وأقصد أى مؤسسة من شركة صغيرة وحتى مؤسسة دولة. إذن هو خطأ تواصل وعدم إدراك لطبيعة الجمهور الذى يستقبل هذه القرارات، حتى وهو يعلم بها ومجرد تحصيل حاصل.
على الطرف الآخر تقف حالتا التربص والحساسية كعوامل لتوسيع الجدل حول موضوع محسوم. والتربص هنا ممن ينتظر أى خطأ أو هِنة، كبرت أو صغرت، لنقد سلوك المؤسسة. وقد تحقق ذلك بعدم توقع رد الفعل من قطاع من الجمهور لقرار تقليدى، وغياب أسلوب خطاب سياسى فى التعامل مع هذا الجمهور، أو جزء منه، كما ذكرنا.
أما الحساسية فهى لدى جزء منا نحن المصريين فى تفسير بعض المواقف على أنها موجهة إلى المسيحيين منا، وأنها دليل على الاستهانة بحقوقهم ووجودهم. حتى تلك الصورة التى أرسلها لى صديقى منسوبة لصفحة تتحدث عن تاريخ الأقباط المنسى، وهذه الحساسية لها أسبابها وجذورها القديمة، والتى يبدو واضحا أن هناك محاولات جادة للقضاء على أسبابها فى السنين الأخيرة. وأظن أن جزءا مهما من هذه المهمة يقع على عاتق كل المسؤولين عن التواصل مع المواطنين بعدم التجاهل إن كانت هناك مشكلة أو سوء تواصل، حتى لو صغرت، وعدم المبالغة أو التهوين إن تم التعامل معها. وقبل كل ذلك إدراك أساليب التواصل الصحيحة من قبل القائمين بالاتصال مع المواطنين.
أما عقلاء المصريين فدورهم دعم كل التوجهات المؤكدة لحقيقة ثقافة التعايش والسلام الذى شهده هذا البلد منذ دخول المسيحية إليه ودخول الإسلام بعد ذلك.
ولعل قصة احتفالنا اليوم بعيد القيامة المجيد وغدا بعيد شم النسيم المصرى منذ القدم، هى دليل على جوهر مصر الحقيقية الذى نحتاج دوما إلى صقله وتأكيده.
كل عام وكل المصريين بخير.