بقلم - عبد اللطيف المناوي
تظل مصر الوطن تحمل داخلها ثقافتها، مصر الوطن قادرة دائمًا على مر التاريخ أن تتجاوب وتتفاعل مع كل الثقافات التى مرت بها وعاشت فيها، حتى تكون ذلك النسيج الفريد للشخصية المصرية، وبات لمصر مذاقها الخاص فى التعامل مع الثقافات بل الديانات، فكل ثقافة مرت أو دين دخل إلى مصر اكتسب مذاقًا مصريًّا خالصًا، ولم تتمكن ثقافة أو دين من البقاء بمصر إلا بتجاوبها مع طبيعة الشخصية المصرية الوسطية المعتدلة ذات المزاج الخاص.
يحتفل المصريون غدًا الأحد بحلول عيد القيامة المجيد. وعادة ما يأتى العيد يوم الأحد بعد أول بدر كامل يتبع الاعتدال الربيعى. «أحد الشعانين» أو أحد السعف، الذى احتفلنا به الأسبوع الماضى، هو ذكرى دخول السيد المسيح إلى أورشليم كملك، وهو يأتى قبل عيد القيامة أو عيد الفصح بأسبوع، وهو الأحد الأخير من الصوم واليوم الأول من أسبوع الآلام، وفيه يبارك الكاهن أغصان الزيتون وسعف النخيل تذكارًا لدخول السيد المسيح الاحتفالى إلى أورشليم.
وعندما دخلت المسيحية مصر جاء «عيد القيامة» موافقًا لاحتفال المصريين بعيدهم، فكان احتفال الأقباط بعيد الفصح، أو «عيد القيامة»، فى يوم الأحد، ويليه مباشرة عيد «شم النسيم» يوم الاثنين، ويوم شم النسيم هو يوم احتفال ورثه المصريون عن آبائهم الفراعنة، واستمر الاحتفال بهذا العيد تقليدًا متوارثًا تتناقله الأجيال عبر الأزمان والعصور، يحمل ذات المراسم والطقوس، وذات العادات والتقاليد التى لم يطرأ عليها أدنى تغيير منذ عصر الفراعنة وحتى الآن، وعندما دخل الإسلام مصر أصبح المصريون جميعًا مسيحيين ومسلمين يحتفلون بذلك العيد المصرى بعد أن يحتفلوا جميعًا بعيد القيامة.
بعد انتشار المسيحية فى مصر حتى غطتها بالكامل فى القرن الرابع الميلادى، واجه المصريون مشكلة فى الاحتفال بهذا العيد المصرى (شم النسيم)، إذ إنه كان يقع دائمًا داخل موسم الصوم الكبير المقدس الذى يسبق عيد القيامة المجيد.. وفترة الصوم تتميَّز بالنُسك الشديد والاختلاء والعبادة العميقة، مع الامتناع طبعًا عن جميع الأطعمة التى من أصل حيوانى.. فكانت هناك صعوبة خلال فترة الصوم فى الاحتفال بعيد الربيع، بما فيه من انطلاق ومأكولات؛ لذلك رأى المصريون المسيحيون وقتها تأجيل الاحتفال بعيد الربيع (شم النسيم) إلى ما بعد فترة الصوم، واتفقوا على الاحتفال به فى اليوم التالى لعيد القيامة المجيد.