بقلم - عبد اللطيف المناوي
فى كل مرة يتحدثون فيها عن هدنة قد تفضى إلى وقف إطلاق نار فى غزة ينتاب الجميع شعور بالسعادة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح أطفال ونساء وشيوخ سكان القطاع، إلا أن الشعور الذى ينتابنى هو القلق على الفترة التى تلى الحرب، خصوصًا أن الجميع (لا سيما الجانب الفلسطينى) لم يستعد لها بالشكل المطلوب.
السلطة الفلسطينية تحديدًا تواجه تحديات كبيرة تتعلق بفاعليتها فى الضفة بحكم عوامل عديدة سوف نتحدث عنها، وفى القطاع بحكم سيطرة حماس عليه، لهذا تتطلب هذه المرحلة الحرجة تطويرًا فى السلطة الفلسطينية أو إعادة هيكلتها، استعدادًا لما يُسمى بـ«اليوم التالى بعد حرب غزة».
وأعتقد أن هناك عدة عوامل تجعل من هذا الأمر ضرورة كبيرة، أولًا أن السلطة الفلسطينية تعانى من تراجع فى الثقة الشعبية بسبب الجمود الذى صارت عليه، فضلًا عن افتقارها للاستجابة الفعالة لمتطلبات الشعب الفلسطينى.. لهذا يجب على السلطة الفلسطينية أن تبدأ بإصلاحات جذرية تعزز عن طريقها من وجود العنصر الشاب المتفتح المتطور، وكذلك أن تتعهد بتطبيق مبدأى الشفافية والمساءلة، من خلال تبنى سياسات مكافحة الفساد وتفعيل دور المؤسسات الرقابية المستقلة، وذلك لإعادة بناء الثقة بين الشعب والقيادة.
ثانى العوامل التى تدفع بضرورة إعادة هيكلة السلطة هو أنها خلال الفترة القصيرة التى سبقت الحرب كانت تعانى من انقسام داخلى فى الآراء والأفكار والتوجهات، ما أضعف من قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة فى صالح الشعب الفلسطينى، حيث إن التحديات المقبلة، لا سيما فى مسألة إدارة القطاع وإعادة إعماره تتطلب جبهةً موحدة قادرة على التفاوض بفعالية مع الأطراف الدولية.
ومسألة توحيد صف السلطة الفلسطينى تلك لن تأتى إلا عبر حوارات مصالحة ومكاشفة شاملة، لإيجاد صيغة توافقية تكون مقبولة لدى الجميع.
أما العامل الثالث فهو ضرورة تعزيز القدرات الأمنية للسلطة الفلسطينية لتتمكن من حماية الشعب الفلسطينى وتحقيق الاستقرار الداخلى الذى غاب لفترة طويلة، حيث يجب على السلطة أن تطور أجهزتها الأمنية وتعمل على تدريبها وتأهيلها بشكل يتناسب مع «اليوم التالى» فى غزة.
وأخيرًا يجب على السلطة الفلسطينية العمل على تعزيز دورها على الساحة الدولية، من خلال تدعيم العلاقات الاستراتيجية مع الدول الصديقة، والسعى نحو الحصول على دعم دولى أكبر للقضية الفلسطينية، لأن وجود قيادة فلسطينية موحدة وقوية على الساحة الدولية سيزيد من فرص التوصل إلى حلول مستدامة للنزاع الفلسطينى - الإسرائيلى.
«اليوم التالى لحرب غزة» يتطلب قيادة فلسطينية متجددة وفعالة، وأظن أن إصلاح السلطة الفلسطينية أو إعادة هيكلتها بشكل يضمن التوافق الوطنى والانفتاح الدولى سيكون خطوة مهمة نحو العمل على بناء مستقبل أفضل للفلسطينيين.