بقلم - عبد اللطيف المناوي
لست أول من يكتب، ولا أظن أننى سأكون الأخير، عن ذلك التخريب الكبير الذي نديره جميعًا مؤسسات دولة وكيانات خاصة ومواطنين. هذا التخريب هو ما نفعله بأيدينا وبإصرار في الصناعة الأهم وهى السياحة. إذا تحدثت هنا عن معاناة شخصية فليس ذلك للشكوى ولكن للاستدلال. ليس من عانى كمن سمع.
اليوم سأكتفى بالحديث عن جزء صغير من المشكلة الكبرى.
تظل أهرامات الجيزة وأبوالهول هي المعلم الأهم في مصر أثريًّا. هي تقف رمزًا شامخًا لعظمة الحضارة المصرية القديمة. ينشأ الأطفال في كثير من دول العالم وهم يدرسون الحضارة المصرية القديمة، ويكبرون وهم يحلمون بزيارة آثار هذه الحضارة وعلى رأسها الأهرامات، ومن يحقق منهم حلمه ويزور الأهرامات أعتقد أنه يخرج منها وهو يقول لنفسه ومن حوله إنه لن يفعلها مرة أخرى.
المشاهد التي حضرتها يوم الجمعة الماضى كفيلة بشرح ما أقصد. من اللحظة التي يحاول فيها زائر منطقة الأهرامات تبدأ المعاناة. لا أثر واضح للافتات الطرق التي تسهل الوصول هناك. هناك أبواب تبدو رئيسية للدخول إلى حرم المنطقة، منها بوابة طريق الفيوم.
تمر السيارات من خلال كمائن متعددة للسؤال والتفتيش. غنى عن الاشارة أن غياب أي ملمح للترحيب أو الابتسام هو سمة سائدة بين الجميع من كل المنتمين إلى كل مؤسسات ووزارات الدولة العاملة في هذا المكان. بل إن البعض يتزيد بالتعامل مع القادمين بمنطق الاشتباه، فتبدو وجوه مكفهرة وعيون تحمل نظرات التشكيك ونبرة صوت تستدعى كل أحاسيس السلطة المطلقة. يمر الغالبية بنجاح وسط غابة من الأشخاص غير المعلوم هويتهم، باعة أو من يطرح نفسه كمرشد أو بائع متجول. يدخل بعدها إلى ساحة أقرب إلى سوق الجمال، عربات بلا نظام، أشخاص بزى رسمى وآخرون بزى مدنى. كل منهم يتعامل وكأن آلهة المصريين القدماء قد مستهم فتقمص كل منهم مشاعر أشباه الآلهة. وإذا ما امتزج ذلك بالإجهاد الحياتى ومشاعر سلبية تبدو وكأنها موجهة إلى اولئك الذين يمتلكون ترف الحضور والصرف في هذه الأماكن. هذه الحالة السلبية لدى هؤلاء تسيطر بالفعل على الأجواء.
ونأتى إلى أغرب إجراء نتميز به، عذاب طابور شراء التذاكر؛ فهو- الطابور- غير معلوم النظام ولا يتفق مع العصر الذي نعيشه. نصف عدد الشبابيك المخصصة للبيع لا تعمل، و«قطع» التذاكر مثله مثل «قطع» تذاكر أتوبيسات الستينيات إلا أن الدفع بالبطاقات الائتمانية والتذاكر مطبوعة في طابعة. ويكون الطلب الغريب بنزول راكبى السيارات والمرور عبر إجراءات أمنية، ولا اعتراض على أي عمليات تأمين، في أجواء غير مرحبة ووجوه مكفهرة في غالبها، وتزيد بشكل غير مبرر في طرح أسئلة وإجراءات. ونستكمل ملامح عملية «التخريب».