بقلم - عبد اللطيف المناوي
أكثر من سبعة أشهر من الحرب على غزة، وحوالى 35 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال، انهيار كامل فى القطاع، مجاعة تدق الأبواب بعنف، لم يعد هناك الكثير لمقاومة سيطرتها على سكان القطاع لتكون غير مسبوقة. وعلى الطرف الآخر مجتمع فى صدمة، استيقظ على سقوط وهم القوة المطلقة والسيطرة غير المحدودة، وأمن ذهب مهب الريح. ويقف فى قيادة كل طرف شخص أو فصيل يخشى أن يتخذ قرارات صعبة، صعبة بالأساس على مستقبل كل طرف.
يقف نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى وهو يعلم أن توقف الحرب يعنى بدء الحساب، وقد تكون نهاية سيئة لتاريخه السياسى. وقد تصل النتائج إلى المحاسبة القانونية ونتائجها التى تمتد حدودها لأبعد من التوبيخ أو الإدانة السياسية. وعلى الطرف الآخر تقف حماس التى ستدفع ثمن «مغامرتها المحسوبة» كما قال أحد قياداتها الكبيرة بعد السابع من أكتوبر بقليل.
الأكيد أن الحركة قد حققت مكاسب كبيرة فى شعبيتها، وهذا يعود إلى حالة الرجوع إلى فعل يعطى الإحساس بالانتقام والتشفى. وهو إحساس ساد فى المرحلة التالية مباشرة للسابع من أكتوبر، لكنه لن يستمر طويلا. خاصة مع هذا الثمن الباهظ الذى يدفعه الفلسطينيون من أهل غزة. كما تقول العبارة الشهيرة «تذهب السكرة وتأتى الفكرة» وهذا هو ما حدث وسيتضاعف خلال الفترة القادمة، خاصة عندما يتوقف القتال. ساعتها تبدأ لحظة الحساب. والحساب هنا للأطراف التى خلقت هذا الوضع الدامى المعقد.
كلا الطرفين يسعى بقدر الإمكان إلى تعطيل الوصول إلى ذلك «اليوم التالى»، يوم الحساب. وهذا يفسر ذلك المخاض الصعب، بل شديد الصعوبة، للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، على الأقل هدنة. كلاهما يعلم أن التوقف عن الدفع لتلك الحالة الدموية يعنى بدء الحساب. لذلك كلاهما يهرب إلى الأمام. وليس مهما كثيرا عندهم من يدفع الثمن.
بعد أشهر من المحادثات الصعبة المتقطعة بين الأطراف المتحاربة والوسطاء، حان الوقت لاتخاذ قرارات صعبة. ولكن هل أيهما على استعداد لاتخاذ القرارات الصعبة؟ الحقيقة هنا لابد أن نشير إلى ذلك الجهد والمقدرة المصرية فى إدارة هذا الملف المعقد والمتفجر فى كل لحظة وأى لحظة بكفاءة كبيرة. لن يستطيع طرف أن ينجح فيها، إذا كُتب لها النجاح، إلا المصريون.
افترضت إسرائيل أن حماس لن تقبل اقتراح وقف إطلاق النار. لذلك أصيب بنيامين نتنياهو وحكومته بالصدمة عندما أعلنت حماس قرارها. هل هى مناورة من حماس؟ الحقيقة أنه يمكن اعتبارها خطوة يائسة من جانب منظمة خسرت الكثير وكادت أن تنكسر بسبب الهجوم الإسرائيلى الطويل. أو أنها خطوة أدت إلى إعادة الضغط على نتنياهو. وفى إطار المناورات المتبادلة يمكن اعتبار الهجوم على شرق رفح ردا على موافقة حماس لإعادة الكرة إلى الملعب.
نتنياهو فى مأزق سياسى، أسلوبه فى الحكم تأجيل الخيارات الصعبة. وحماس تبحث عن البقاء بأى ثمن لأنه يعنى النصر، ونتنياهو يعلم أن ذلك سيكون هزيمة بالنسبة له.