بقلم - عبد اللطيف المناوي
من أكثر المضحكات المبكيات في أوروبا الآن التناقض العجيب بين أفكار ومنهج «خيرت فيلدرز»، السياسى اليمينى المتطرف، زعيم الحزب الفائز في انتخابات هولندا البرلمانية التي أُجريت في نوفمبر الماضى، وبين اسم حزبه: «الحرية».
ولمَن لا يعرف «فيلدرز»، المثير للجدل، فهو السياسى الذي خاض حربًا لا هوادة فيها ضد ما سماه «أسلمة هولندا»، وقد تعرض الرجل للمحاكمة أكثر من مرة بتهم التحريض والتمييز ضد جماعات عرقية ودينية، وأُدين قبل بضع سنوات بإهانة المغاربة، وبرأته محكمة في أمستردام من تهمة التحريض على الكراهية والتمييز.
وقد بدأ المد اليمينى يتوغل وينتشر في البلاد الأوروبية، ولم يعد زعماؤه يخشون الحدّة في التعبير عن رفضهم للهجرة ولوجود جاليات مسلمة مؤثرة وكبيرة العدد.
و«فليدرز» سيقود قريبًا حكومة يمينية في هولندا، وفى إيطاليا تقود جورجيا ميلونى دفة القيادة هناك، وهى رئيس لحزب ذى جذور متطرفة، وفى فنلندا، انضم القوميون اليمينيون المتطرفون إلى الحكومة الائتلافية، كما دعم الحزب الديمقراطى السويدى المناهض للهجرة والتعددية الثقافية، وهو ثانى أكبر حزب في البرلمان السويدى، الحكومة الائتلافية اليمينية هناك.
وفى اليونان فازت ثلاثة أحزاب يمينية متشددة بعدد كافٍ من المقاعد لدخول البرلمان، بينما في إسبانيا، فاق حزب «فوكس» القومى، وهو أول حزب يمينى متطرف ناجح في إسبانيا، منذ وفاة فرانسيسكو فرانكو في عام 1975.
وفضلًا على ذلك، فإن هناك حكومات ذات ميول متطرفة في بولندا والمجر وصعودًا متناميًا لحزب البديل اليمينى المتطرف في ألمانيا، والذى قد يكون متفوقًا على حزب المستشار شولتز في الانتخابات المقبلة.
أتصور أن السبب في هذا الصعود اليمينى هو إصابة الناخب الأوروبى بحالة من الملل من الاختيارات ما بين يمين الوسط ويسار الوسط، خصوصًا مع تقارب برامجهما بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وذلك بالتزامن مع طغيان خطابات الهوية، والخوف من المهاجرين والنزعات الوطنية.
وبات صعود اليمين المتطرف في أوروبا ظاهرة مثيرة للقلق، وهو ما قد يدفع بالعديد من التداعيات، التي يتمثل أبرزها في تهديد تماسك الكتلة الأوروبية، وتزايد النزعات المتطرفة داخل الاتحاد، خاصة في ظل تنسيق الأحزاب اليمينية المتطرفة في البلدان التي حققت فيها انتصارات في الانتخابات.
نتائج الانتخابات- أو حتى التنسيق ما بين القوى المتطرفة في عدة بلدان أوروبية- وتداعياتها قد تؤثر على حالة السلام العالمى، التي لن يُستثنى منها بلد في العالم، حتى لو ابتعدت البلاد آلاف الكيلومترات، وحتى لو فصلت بينها محيطات.