بقلم - عبد اللطيف المناوي
منذ حوالى 12 عاما التقيت بتلك الشابة الصغيرة، تحدث عنها والدها بفخر وتباهٍ شديد وهو يعرفنى بها «هذه ميرا ابنتى التى عاشت هنا فى أمريكا وتخرجت من أكبر مدارس القانون فيها، قررت أن تعود إلى مصر لتنشئ دارا للأيتام»، وتحدث ماجد رياض، والدها، معى عنها كل مرة التقينا فيها أو تحدثنا على التليفون. حرصت على متابعة خطواتها فى مشروعها الذى رأيت أسلوب التفكير فيه فريدا ومتميزا وإنسانيا.
بدأت ميرا- التى أحب أن أصفها كما أراها؛ «الملاك»- مشروعها بإنشاء منظمة غير ربحية ثم بناء منشأة حديثة للأطفال الأيتام والمعرضين للخطر فى عام 2014 فى منطقة عرابى. فتحت الدار أبوابها بطفل واحد فى عام 2015، وأصبحوا 90 طفلا عام 2022، معهم فريق ومجتمع متخصص بالكامل لرفع مستوى رعاية الأطفال الأيتام. وعلمت أمس الأول أن العدد أصبح 97 طفلا.
دعتنى ميرا لحضور عرض مسرحى لأبناء الدار عن الكريسماس، وأردت أن أترجم اهتمامى بمشروعها من الدعم المعنوى إلى الحضور ورؤية النتائج. بعد أن وعدت أكثر من مرة أن أزور الدار شديدة التميز ولم أتمكن. وأظن أننى فاتنى الكثير بعدم زيارة الأطفال فى بيتهم، كما تحب ميرا أن تسميه وتتعامل معه.
أكثر من ثلاثين طفلا شاركوا فى هذه الليلة، لا يجوز هنا تطبيق القواعد الفنية والنقدية على العمل المقدم. ولكن بالقواعد الإنسانية فإن ما رأيته هو إنجاز إنسانى راق تفخر به ميرا وكل الفريق الذى يعمل معها. وقبل ذلك يفخر به والدها وداعمها الأول ماجد رياض الذى توفى منذ ثمانى سنوات وهو يوصى زوجته منى وولديه وأصدقاءه القريبين بدعم ميرا. ودعمها ليس تلبية لوصية أبيها فقط، ولكنه قبل ذلك وبعده التزام وإيمان بسمو التجربة وإنسانيتها ومردودها الاجتماعى. إضافة لذلك، فإنه حتى بالقواعد الفنية هو عمل ممتع.
تريد ميرا أن تغير قواعد اللعبة، إن صح التعبير، من خلال الأطفال الأيتام أنفسهم. لا يجب أن ينظروا إلى أنفسهم باعتبارهم «أيتام، ضعفاء، يحملون وصمة عار لكونهم بلا أهل». بل هم قادرون أن يصنعوا مستقبلهم. «نحن نستثمر فى هؤلاء الأطفال لمنحهم نوعية الحياة والتعليم العالى ليصبحوا صناع التغيير فى المستقبل الذين سيغيرون المجتمع المصرى» هذا ما قالته ميرا فى حديث سابق لها، لكنها فى نهاية العرض الإنسانى المبهر ووسط لمعة عيون الأطفال المنتصرة والسعيدة قالت لهم «قلت لكم دائمًا إنكم تستطيعون، وأثبتم اليوم ذلك».
القصة طويلة وملهمة، وبطلتها هى الأكثر إلهاما فيها.