بقلم - عبد اللطيف المناوي
لا أصدق ما يحدث يوميًا على منصات السوشيال ميديا، أخبار يتم بثها بشكل عجيب، تنتشر كالنار، وتصيب كالرصاص، يتداولها الناس وكأنها حقائق، بل يؤسسون عليها مواقف قد تصبح أزمات. شائعات هنا وهناك، وفى النهاية يثبت عدم صحتها.
فى كثير من الوقائع، أكتشف أن الجميع يكذب ويختلق أحداثًا غير حقيقية، والغريب أن كثيرًا من أحداث التاريخ تم اختلاقها، وبعد فترة نكتشف زيفها. والأزمة فى ذلك من وجهة نظرى تكمن فى عدم تحرى الدقة، وعدم البحث.
هى ليست آفة حديثة، بل قديمة، إذ لعبت الأخبار الكاذبة منذ القدم دورًا مهمًا فى كتابة التاريخ، مهما كانت درجة الثقافة والوعى، كما لا تقتصر على المجتمعات المتخلفة، ففى المجتمعات المتطورة تنتشر الأخبار الكاذبة أيضًا، لكن الفارق هو طبيعتها ونوعها ودرجة إتقان نسجها، لتصبح اليوم صناعة وعِلمًا.
الخبر الكاذب ككرة الثلج، يخرج من فم أو من عقل مطلقه إلى مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام الإلكترونية، ليغير مصائر البشر. ومع التطور السريع لوسائل الاتصالات، توقع البشر تراجعَ تأثير الشائعات وانتشارها ودفنها فى مهدها، أما الذى حدث فكان العكس للأسف، حيث باتت أسرع انتشارًا وأكثر عددًا، فالناس باتت بفضل وسائل التواصل الاجتماعى أكثر عشقًا لتناقل الأخبار وأشد فضولًا لمعرفة المجهول.
كنت أظن أنه مع توالى الأكاذيب عبر تلك المواقع سيفطن العقل البشرى وسيدرك خطورة هذا الأمر، إلا أننى اكتشفت أنه يغوص فيه أكثر، بل صار كسولًا إلى حد كبير جدًا، جعله لا يفكر حتى فى استجلاء معلومة صحيحة حتى لو كانت تخصه وتخص مستقبله.
نعم، قد يكون السبب الرغبة فى تصديق المثير مهما كان الأمر، قد يكون أيضا حالة استقطاب سياسى أو اجتماعى أو حتى رياضى، ولكن الأكيد أن الجميع يسمع ويتداول وكأن الكذب صار صدقًا.
فى عالمنا العربى تغيب فضيلة البحث وتحرى الدقة. فى عالمنا العربى الكثير من الآفات، إلا أن الآفة الأكيدة هى الاستسهال وقبول المعلومة بصدر رحب وبعقل لا يتحرك إلى محاولة معرفة الحقيقة، والتى قد تكون عملية سهلة بسيطة، ومحاولة البحث عنها قد تكون أبسط كثيرا مما يظن البعض، فأعتقد أن الحقيقة أسهل كثيرا من اختلاق الخبر الكاذب، ولكن الواقع أن البحث هو الأكثر صعوبة.
أتمنى أن يأتى اليوم الذى تصبح فيه مؤسساتنا البحثية مفيدة، وأن يكون هناك تعليم لكيفية البحث، وأظن أن زيادة الشائعات والأخبار الكاذبة سببها فى الأساس غياب فضيلة البحث، والتى لابد أن يؤمن بها العقل، وأخص بالذكر العقل العربى