بقلم - عبد اللطيف المناوي
فى اعتقادى أن ما يتردد حول عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الشرق الأوسط من باب الحرب على غزة ليس بالأمر الدقيق، ولكن الأكثر دقة هو أن العودة ستكون بسبب الشك فى قدرة إسرائيل على القيام بالدور الذى كانت واشنطن تبنى عليه حساباتها منذ عدة سنوات، والذى بنت عليه توجهها الجديد بإمكانية «تخفيف» حضورها العسكرى فى الشرق الأوسط، كما بيّنا ذلك فى مقال سابق، لتركز حضورها على منطقة المحيط الهادى والتعامل مع الملف الصينى، بدرجة ذات أولوية واضحة.
الحسابات فى ذلك الوقت اعتمدت على الاطمئنان بقوة أن إسرائيل لها القدرة على القيام بدور فى ملء أى فراغ ناجم عن تراجع الحضور العسكرى الأمريكى، أو بشكل أكثر دقة، أن تكون بديلًا للوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة، اعتمادًا على اعتبارها القوة العسكرية الأقوى فى المنطقة، مقارنة بالقوى العسكرية العربية فى المنطقة منفردة أو جامعة.
هكذا اعتقدوا، وركنوا إلى هذا اليقين، حتى دخلت إسرائيل حرب غزة وحدث الانكشاف الكبير الذى بدأ بالسقوط الأمنى المدوى فى انهيار منظومة الأمن وقبتهم الحديدية فى مواجهة هجمات مقاتلى حماس وبعض الجماعات الجهادية الأخرى فى السابع من أكتوبر الماضى، والتى انطلقت على إثرها الحرب الإسرائيلية على غزة، والتى كانوا يعتقدون فى قدرتهم على حسمها فى أيام قليلة يحققون فيها هدفهم بالقضاء على حماس، أو بحد أدنى «تقزيمها».
اليوم وبعد دخول الحرب على غزة شهرها الثالث، وارتفاع الضحايا إلى حوالى عشرين ألف شهيد فلسطينى، وبعد عشرات الأيام من الدك المتواصل لمبانى ومستشفيات القطاع، بما اقترب من تدمير معظمه تقريبًا، لم يتمكن الجيش الإسرائيلى من حسم الحرب حتى الآن، بل وبدأ الحديث عن تورطهم فى حرب برية لا يملكون حسمها رغم التفوق الذى عاشوا فيه طوال السنوات الماضية، واقتنعوا به بشكل كامل.
هذا الفشل هو ما أدى إلى إعادة الولايات المتحدة الأمريكية النظر من جديد فى قرارها السابق بالخروج من منطقة الشرق الأوسط، أو تخفيف الوجود كحد أدنى. واليوم تجد أمريكا نفسها فى وضع ستنكشف فيه فى المنطقة ما لم تعوض الفراغ وتعالج الخلل الذى تسبب به الفشل الإسرائيلى. ربما علم الداخل الإسرائيلى الآن أنه لن يستطيع أن يحيا بأمان إلا بالوجود الأمريكى المباشر فى المنطقة.
وربما نفس الأمر أدركته واشنطن نفسها، لأن حليفتها التى كانت تعتمد عليها أظهرت فشلًا كبيرًا فى الحرب، رغم كل الدمار الذى تُلحقه بغزة يوميًا، فضلًا عن إدراك البيت الأبيض أيضًا أن حركة التجارة فى البحر الأحمر هى الأخرى مهددة بالحوثيين، وعليه فإن التواجد بالمنطقة صار ضرورة بالنسبة لإسرائيل، وبالنسبة لأمريكا أيضًا. ويبقى السؤال: هل هذا مفيد لنا نحن العرب؟ لو أن مصطلح «العرب» مازال ساريًا كما كنا نفهمه «زمان».