بقلم - عبد اللطيف المناوي
الإنسان موقف يُعرف به وقت الشدة. وربما عرفت الإنسانية الكثير من الرجال والسيدات الذين واللاتى صنعوا أسماءهم/ أسماءهن بالمواقف. وأحزن عندما يرتبط اسم ما بموقف مخزٍ، أو موقف ينمّ عن عدم فهم وإدراك لطبيعة الأشياء، وطبيعة ما يحدث حولنا.
لا شك أن مشاهد الدماء والدمار قد تنامت إلى عينى رئيس جامعة كولومبيا، نعمت شفيق، فكيف يكون موقفها بهذا الخزى. لم أكتب حينها، واعتبرت أن ما يحدث هو جزء من آلة دعائية غربية وأمريكية مجتمعية شديدة، رياحها عاتية قد تضرب الأخضر واليابس، ودافعت عن موقف محمد صلاح الهادئ؛ لأننى أعلم تماما ما يحدث فى بريطانيا. ولكن ما حدث مع نعمت شفيق، مصرية الأب والأم، مختلف.
منذ يومين أصدرت كلية الآداب والعلوم فى جامعة كولومبيا قرارًا بحجب الثقة عن رئيس الكلية، نعمت شفيق، قائلة إنها انتهكت «المتطلبات الأساسية للحرية الأكاديمية والحوكمة المشتركة»، وشاركت، كما قالت نيويورك تايمز، فى «اعتداء غير مسبوق على حقوق الطلاب»، ورغم رمزية الخطوة، فإنها اعترفت بحق العالم فى الوقوف إلى شعب يُباد، وتحاول آلة عسكرية كبيرة تهجيره.
لقد واجهت نعمت شفيق غضبًا كبيرًا فى الحرم الجامعى، وذلك بسبب تعهدها العلنى أمام لجنة بالكونجرس الشهر الماضى بأنها ستعاقب العديد من أعضاء هيئة التدريس الذين يتبنون وجهات نظر ضد إسرائيل والتى قال البعض إنها معادية للسامية.
الخطوة رغم رمزيتها أنها جاءت من أغلبية، حيث تم تقديم قرار حجب الثقة من قبل فرع الحرم الجامعى للجمعية الأمريكية لأساتذة الجامعات، وهى منظمة أعضاء هيئة التدريس المهنية. ومن بين 709 أساتذة صوتوا، أيد 65% القرار وعارضه 29%. وامتنع ستة بالمئة عن التصويت.
وانتقد القرار بشكل خاص قرار الدكتورة شفيق استدعاء الشرطة إلى الحرم الجامعى لإخلاء مخيم طلابى مؤيد للفلسطينيين، حتى بعد أن طلبت منها اللجنة التنفيذية لمجلس شيوخ الجامعة بالإجماع عدم القيام بذلك. وجاء فى القرار أنها زعمت كذبًا أن الطلاب يشكلون خطرًا واضحًا وقائمًا على الأداء الجوهرى للجامعة، وجادلت بدلًا من ذلك بأنهم كانوا سلميين.
وتصدرت نعمت شفيق، رئيس جامعة كولومبيا، عناوين الصحف منذ 17 إبريل الماضى، عقب تصريحاتها التى أدلت بها أمام مجلس النواب الأمريكى وإجراءاتها ضد المتظاهرين التى اتخذتها لتدحض عن نفسها وعن إدارتها شبهة «معاداة السامية»، وهو ما أثار موجة من الانتقادات نحوها وصلت حد مطالبتها بالاستقالة. لقد استُجوبت شفيق، وحتى مع استجوابها أنكرت الكثير من الحقائق، على عكس ما فعل رؤساء جامعات آخرون فى جلسات سابقة.
لم تذكر شفيق أى شىء عن حرية التعبير عن الرأى أو سلمية التظاهرات والاحتجاجات، بل أكدت منذ اللحظة الأولى التى وقفت فيها للحديث أنها ملتزمة بالتصدى بكامل طاقتها لكافة أشكال معاداة السامية. كان رئيسا جامعتى هارفارد وبنسلفانيا رفضا سابقًا إدانة احتجاجات الطلاب لدعم القضية الفلسطينية والتنديد بالتجاوزات الإسرائيلية، إلا شفيق.
لا أريد قول إنها نالت جزاءها، ولكنها نالت جزءًا منه، والباقى فى ذمة التاريخ.