بقلم - عبد اللطيف المناوي
فى اليوم الأول اشتكى لى صديق من أنه عندما يخرج من غرفته فى الفندق الذى يقيم به فى «دافوس» يجد رجل أمن مدججًا بالسلاح يقف أمام باب الغرفة، فيضطر أن يطلب منه التحرك يمينًا أو يسارًا حتى يسمح له بالخروج. ورجل الأمن هذا هو واحد من مجموعة مهمتها حراسة شخصية لم ينجح صديقى فى معرفتها، ولو كان الرئيس الأمريكى حاضرًا فى منتدى «دافوس»، لكان هو صاحب هذه الحراسة من شدتها وعتاد أسلحة حراسها، كما قال صديقى.
فى أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية التى اندلعت فى فبراير 2022، ليكون منتدى هذا العام هو الثالث منذ اندلاعها، احتل الحديث حول النزاع فى أوكرانيا جلسات الدورة التى عُقدت فى مايو التالى لاندلاع الحرب، والدورة التالية التى عُقدت فى يناير من العام الماضى، وامتلأت جنبات المنتدى بالسياسيين وبأحاديث حول دعم كييف.
كما تم تحويل الجناح الروسى، الذى اعتادت موسكو شغله ليكون مكانًا للجناح الأوكرانى، أو البيت الأوكرانى- كما يطلقون عليه هنا- وبدا الأمر وقتها كأنها مظاهرة عالمية لدعم أوكرانيا بحماس شديد، ولعن روسيا بعصبية تُذكرنا بحروب العصور الوسطى التى نشاهدها فى أفلام هوليوود.
ولهذا مثلًا قارنت- ومثلى مَن حضروا المنتديين السابقين- بين هذا الاهتمام بأوكرانيا، وبين الإهمال الشديد لحرب غزة، كما ذكرت بالأمس، لدرجة أن كلمات الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، التى ألقاها عبر «الفيديو كونفرانس» خلال المرتين السابقتين، كانت تُستقبل بتصفيق هستيرى يرج جنبات القاعات، رغم عدم حضوره شخصيًّا.
فى منتدى هذا العام، حضر الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى بنفسه فعاليات المنتدى، ربما لشعوره بتراجع الاهتمام والتقاعس الغربى والأمريكى عن تنفيذ الالتزامات التى ألزموا أنفسهم بها نحوه، ربما حاول بهذا الحضور استعادة الزخم من جديد. لكن استقباله هذه المرة كان فاترًا إذا ما قورن بالسابق، حيث لم تكن القاعة التى ألقى فيها كلمته ممتلئة عن آخرها- رغم التصفيق الطويل نسبيًّا فى نهاية اللقاء- لكنه بدا أقل حرارة من المرات السابقة.
حاول زيلينسكى أن يستحضر شخصيته السابقة كممثل مسرحى كوميدى يحاول كسب انتباه وتعاطف الجمهور معه وإزالة الحاجز الوهمى بينه وبينهم، ولكن الملاحظة الرئيسية التى لاحظها كل مَن تابع كلمة الرئيس الأوكرانى أن عقدته الحقيقية هى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين.
حيث شغل الحديث عنه معظم خطابه تقريبًا، إذ وصفه بـ«المفترس» مرة، وبـ«الإرهابى الوحيد فى العالم» مرة، مؤكدًا أنه الشخص الوحيد الذى أخذ محطة للطاقة النووية كـ«رهينة»، وأنه السبب الوحيد لاستمرار الصراعات فى العالم!، ولم ينسَ تحريض الغرب للقضاء عليه ومصادرة أمواله وأموال روسيا السيادية من أجل إعادة بناء أوكرانيا من جديد.
ألقى الرئيس الأوكرانى كلمته وغادر «دافوس»، فاكتشف صديقى أن جاره المهم كان هو نفسه فولوديمير زيلينسكى.