بقلم - عبد اللطيف المناوي
رياح العاصفة «دانيال» لم تكن أشد قساوة من رياح «النزعات والنزاعات» التى ضربت «درنة» طوال تاريخها. الجثث التى جرفها التيار واضطر الأهالى لدفنها فى مقابر جماعية هى تكرار لمشاهد أخرى عبثية جرت على أرضها الجميلة.
بالطبع كان تعبير «العائدون من أفغانستان» المنتشر بشدة فى أوائل التسعينيات هو كلمة السر الأولى فى النزاعات المسلحة، حيث بدأت علاقة «درنة» بالتنظيمات المسلحة مع منتصف عام 1995، حين عادت إليها مجموعة من المقاتلين الليبيين الذين شاركوا فى محاربة الغزو السوفيتى لأفغانستان، ليعلنوا رسميًا عن تأسيس «الجماعة الليبية المقاتلة»، والتى سعت بكل الطرق إلى إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافى، ليبدأ الصدام الدموى بين النظام و«الزنادقة»- كما أطلق عليهم القذافى وقتها.
وأصبحت «درنة» فى هذا الوقت واحدة من أكبر المدن الليبية ذات الطبيعة الإسلامية الأصولية، وصارت معقلًا للمعارضة الإسلامية المناهضة لنظام القذافى وقتها، وقد سقط بسبب تلك المعارك مئات الضحايا، إلى حدٍّ كرس الكراهية بين أهل المدينة، التى كان يسيطر عليها الإسلاميون، والنظام. ومع اندلاع حركة التمرد ضد القذافى فى فبراير 2011 لعبت المدينة دورًا كبيرًا فى هذا التمرد، وكانت من أوائل المدن التى خرجت عن السيطرة. ومن وقتها ظهر العديد من التشكيلات المسلحة فى المدينة.
أصبحت الحياة فى «درنة» شبه مستحيلة، وعانى أهلها الكثير بسبب سيطرة المتشددين عليها، وسجلت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية عديد الجرائم التى ارتكبتها التنظيمات المسلحة، أبرزها الإعدامات الميدانية ذبحًا فى ساحة «مسجد الصحابة» التى كان تنظيم «داعش» يبثها مباشرة عبر فيديوهات أراد من خلالها إرهاب الليبيين وتخويفهم.
وكانت الذروة فى قيام الجيش الليبى بقيادة «خليفة حفتر» بمحاصرة المدينة والقتال حتى دخلها فى يونيو 2018، بالتزامن مع تناحر إرهابيى «داعش» وتحالف للميليشيات المتطرفة التى أطلقت على نفسها اسم «مجلس شورى مجاهدى درنة»، وكان موضوع التناحر هو النفوذ والمال.
ومع المحاولات الأخيرة للإصلاح وترسيخ الوحدة فى ليبيا، فإن «درنة» الواقعة فى شرقى البلاد، تظل تحت سيطرة مجلس النواب، وأن رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، ذات النفوذ الأبرز فى طرابلس بالغرب الليبى، لم يكن يستطيع بأى حال من الأحوال أن يزور «درنة» وهو الآن يتحدث عنها حديث الغرباء.
يطفو على السطح الآن الحديث عن الإهمال طوال أكثر من 12 عامًا، والنزاع بين أشخاص وجهات على سلطة على بلد ممزق بسببهم ومن يدعمونهم. ومن نتائج الإهمال ذلك الانهيار الذى أصاب السدين فى درنة، لم تتم صيانتهما ولم تتخذ أى سلطة، بين السلطات الكثيرة هناك، إجراءات لصيانة وتأمين أى من السدين، اللذين بسبب انهيارهما كان حجم الكارثة عظيمًا!!.
ويبقى السؤال: هل الطبيعة وحدها مسؤولة عما حدث للمدينة أم أن لنزعات ونزاعات البشر دورًا مؤثرًا فيما حدث ويحدث؟.