بقلم - عبد اللطيف المناوي
الجانب الآخر من الحرب هو جانب اقتصادى بحت. إسرائيل تخسر يوميًا ملايين الدولارات. وغزة بالتأكيد تم تدميرها بما يكفى، وهى خسائر مؤكدة على الجانب الفلسطينى، ومسألة إعادة الإعمار ستتكلف هى الأخرى مليارات الدولارات. فى حين تستمر حملات المقاطعة التى تؤذى اقتصادات الدول العربية التى يدعو بعض سكانها لمقاطعة الماركات العالمية المساندة لإسرائيل، فى حين لا يشغلون بالهم بمن يعملون بها من أبناء وطنهم، ما يعرضهم لخسارة وظائفهم. الاقتصاد العالمى عمومًا سوف يتأثر بتلك الحرب، مثلما تأثر بإغلاق كورونا، ومثلما تأثر بالحرب الروسية – الأوكرانية التى خفت صوتها أو تراجع وسط ضجيج الحرب فى غزة.
ولكن فى خضم كل هذه الخسائر هناك مكسب معنوى ذو دلالة، وهو أن مبيعات الكوفية الفلسطينية قفزت على نحو غير مسبوق فى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك رغم بعض الحوادث التى وثقت مضايقات أمنية لمن يرتدى الكوفية الفلسطينية فى أمريكا وفى بلاد أوروبية أخرى.
وزاد الطلب على شراء الكوفية الفلسطينية فى المتاجر العالمية وأظهرت بعض بيانات التجارة الإلكترونية أن مبيعات الكوفية زادت 75% بين يومى 7 أكتوبر و2 ديسمبر على المتجر الإلكترونى الأشهر «أمازون»، فى حين انضم آلاف المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعى على صفحات مصنعى وموزعى الكوفية، بينما زاد البحث عنها عبر محركات البحث بنسب تتراوح بين 75% إلى 333% على اختلاف كلمات البحث.
ويتزايد عدد الذين يرتدون الكوفية الفلسطينية فى دول العالم كتعبير منهم لرفض الحرب على غزة والمطالبة بوقف إطلاق النار وإنهاء الهجمات الإسرائيلية، أو للإشارة إلى دعمهم للفلسطينيين، حتى إن بعضهم يتعرض لمخاطر مثل الذين تم الاعتداء عليهم فى تظاهرة بأمريكا أو الذين تعرضوا لمضايقات فى ملعب بروكلين، أو تلك الطالبة الجامعية فى هارفارد، والتى قيل إنها ترتدى وشاحًا إرهابيًا!.
واظن أن أشهر من ارتدى الكوفية الفلسطينية هو الزعيم الراحل ياسر عرفات، والذى فضل ارتداءها حتى رحيله، لكنها فى الأساس كانت رمزًا للمقاومة الفلسطينية خلال الثورة العربية على الانتداب البريطانى عام 1936، بل هو وشاح يعود تاريخه إلى أكثر من 3 آلاف عام، إلا أن رمزيته تعود كل فترة، خصوصًا مع أى اعتداء إسرائيلى جديد.
ربما أغلب الذين يرتدون الكوفية من الأجيال الجديدة لا يعرفون شيئًا عن رمزيتها التاريخية، ولا يعرفون ارتباطها بالزعيم ياسر عرفات، لكنهم أدركوا فى لحظة ما أنها تمثل الهوية الفلسطينية، وهو مكسب معنوى لا يدركه إلا من اقترب من القضية الفلسطينية وعلم أهدافها جيدًا، وأتصور أن «أبوعمّار» لو كان حيًا بيننا الآن لكان أسعد الناس بهذا الانتشار الكبير للكوفية.
أما المفارقة التى لابد من ذكرها أن قادة حماس لا يرتدون تلك الكوفية، ونادرًا ما يظهرون بها!.