بقلم : عبد اللطيف المناوي
تُعد شركة جوجل، الرائدة فى مجال التكنولوجيا والإعلانات الرقمية، طرفًا رئيسيًّا فى النزاعات المتصاعدة مع المؤسسات الإعلامية حول العالم. تعتمد معظم وسائل الإعلام على عائدات الإعلانات مصدرًا رئيسيًّا للتمويل، لكن التحول الرقمى وسيطرة جوجل على سوق الإعلانات أدى إلى تراجع كبير فى عائدات هذه المؤسسات. وأمام هذا الواقع، لجأت العديد من الجهات الإعلامية إلى القضاء، أو طالبت بتشريعات جديدة تضمن توزيعًا عادلًا للدخل. تتحكم جوجل فى جزء كبير من سوق الإعلانات عبر الإنترنت، بفضل أدواتها المتطورة مثل Google Ads. هذا الاحتكار غير الرسمى أدى إلى تهميش المؤسسات الإعلامية. ووفقًا لتقارير، فإن جزءًا كبيرًا من إيرادات الإعلانات الرقمية يُعاد توجيهه إلى جوجل وفيسبوك (ميتا الآن)، مما جعل وسائل الإعلام التقليدية تواجه تحديات وجودية.
فى كندا، كانت الأزمة بين جوجل والمؤسسات الإعلامية نموذجًا واضحًا للصراع. فى ظل قانون «الأخبار على الإنترنت» الجديد، ألزمت الحكومة الكندية المنصات الرقمية الكبرى بدفع إسهامات مالية للمؤسسات الإعلامية مقابل استخدام محتواها. هذا القانون جاء كرد فعل على خسائر كبيرة تكبدتها وسائل الإعلام الكندية نتيجة فقدانها عائدات الإعلانات لصالح جوجل وميتا.
وفى نوفمبر 2023، توصلت جوجل إلى اتفاق مع السلطات الكندية يقضى بدفع 100 مليون دولار سنويًّا لصالح «تجمع الصحافة الكندية» (CJC)، وهى منظمة غير ربحية تدير توزيع هذه الأموال على المؤسسات الإعلامية، ما يساعدها فى مواجهة التحديات المالية وتعزيز إنتاج المحتوى الصحفى.
وبالفعل أكدت «جوجل» أنها حولت المبلغ إلى «تجمع الصحافة الكندية»، وهى منظمة غير ربحية يديرها ناشرون مستقلون وهيئات بث مستقلة. وأوضحت الجمعية، فى بيان سابق، أنها ستبدأ توزيع الشريحة الأولى من هذه الأموال بحلول نهاية يناير 2025 على الشركات الإعلامية التى شاركت جوجل محتواها أو أعادت استخدامه، وذلك تنفيذًا للاتفاق السابق.
ويندرج هذا الاتفاق ضمن «قانون الأخبار على الإنترنت» فى كندا، والذى يُلزم المنصات الرقمية الكبرى بإبرام اتفاقيات تجارية مع المؤسسات الإعلامية المحلية لضمان حقوق النشر والاستخدام العادل للمحتوى الإخبارى.
على النقيض، رفضت ميتا الامتثال للقانون، وحجبت الأخبار الكندية على منصاتها مثل فيسبوك وإنستجرام، مما أثار انتقادات واسعة.
من المتوقع أن تستمر هذه الأزمات مع استمرار تطور التكنولوجيا وسيطرة المنصات الرقمية على الإعلانات. ستحتاج الحكومات والمؤسسات الإعلامية إلى تطوير حلول مبتكرة لضمان استدامة الإعلام التقليدى فى مواجهة هيمنة الشركات التقنية العملاقة. علاقة جوجل بالمؤسسات الإعلامية العالمية تعكس تعقيدات العصر الرقمى، حيث تسعى الشركات الكبرى لتحقيق مكاسب هائلة، بينما تكافح المؤسسات الإعلامية للحفاظ على وجودها. التجربة الكندية تُظهر أن التعاون المنظم بين الحكومات والشركات يمكن أن يحقق التوازن المطلوب، ويضمن مستقبلًا مستدامًا للإعلام، فهل يمكن تكرار التجربة عندنا؟. سؤال يجب طرحه للمناقشة.