بقلم - عبد اللطيف المناوي
الأزمة فى السودان تتفاقم بشكل مطرد. البلد الذى كان سلة غذاء كبرى، بحسب دراسات وشهادات عالمية، صار يعانى بشدة من خطر المجاعة والأمراض الفتاكة بسبب الحرب الدائرة هناك. والغريب أن كل هذا يحدث من دون اهتمام عربى ولا عالمى على مستوى المجتمعات. رغم أن ما يحدث فى السودان من مأساة لا يقل أبدًا عما يحدث فى غزة، مع فارق أن من يقتل ويبيد ويحرق فى غزة هو عدو محتل، بينما فى السودان هو ابن الوطن! وأظنها مأساة أكبر.
وطأة الحرب فى السودان تشتد كل يوم، والمدنيون يدفعون الثمن دائمًا. الصراع بين الجيش السودانى، بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة حميدتى، يشتد وينتقل من مكان إلى مكان، ولعل آخر فصول الصراع، وأظن أنه أهمها، هو السيطرة على مدينة «الفاشر»، عاصمة دارفور التاريخية، والتى تعتبر آخر مدينة رئيسية فى الإقليم يسيطر عليها الجيش بعد سقوط أربع من عواصم الولايات الخمس فى يد قوات الدعم السريع.
المنظمات الإنسانية تظن أنها تقوم بواجبها، فهى تحذر من تزايد استمرار النزاع، الذى سيؤدى إلى تدهور الأوضاع أكثر وفرار المزيد من أهل المدينة والمدن الأخرى فى الإقليم، إلى الدول المجاورة، فيما أشارت 19 منظمة دولية، منها 12 منظمة أممية، إلى أن احتمال حدوث مجاعة فى السودان بات أقرب من أى وقت مضى، إذا استمرت عرقلة وصول المساعدات المدنية.
إذ يعانى المواطنون من نقص حاد فى المواد الأساسية، وأصبح من الصعب عليهم تلبية احتياجاتهم اليومية، ما يستدعى تدخلًا عاجلًا لوقف القتال وفتح الممرات الإنسانية، إلا أنه من الواضح أن الممرات التى يجب أن تُفتح ليست إنسانية بل هى ممرات فى أدمغة هؤلاء المتصارعين، الذين يهدمون بلادهم بدم بارد!
هم يواصلون الهدم، ويفتحون الباب أمام زيادة عمليات النهب والقتال العنيف فى معظم مدن دارفور، والتى أدت إلى شلل النشاط الاقتصادى، بسبب فشل الإدارة المدنية للولايات التى سيطرت عليها الميليشيات فى حماية ممتلكات الناس.
ومع اشتداد الصراع نقصت السلع الغذائية وارتفعت أسعارها بشكل جنونى، إضافة إلى شح السيولة النقدية، وتسببت القيود المصرفية المفروضة وتحفظات التجار على التعامل بالتحويلات الإلكترونية فى تفاقم أزمة اقتصادية كبيرة فى الإقليم، ما أدى إلى تدهور الوضع الإنسانى فيها، كنتيجة حتمية لتدهور الوضع الاقتصادى.
الأمر الذى أعاد الإقليم إلى نظام المقايضة الذى كان معروفًا فى أزمنة سحيقة وقبل اختراع الأموال، حيث يتبادل الناس هناك السلع الزراعية المحلية بالمواد المستوردة مثل الزيوت والسكر والشاى.
مخطئ من يظن أن أيام الجاهلية قد انتهت بهبوط الرسالة المحمدية، فما يحدث فى السودان من صراع بين أبناء البلد الواحد فاق ما كان يحدث فى الماضى.
إن محاولات إعادة الاستقرار للسودان مستمرة، وربما تستمر لفترة، خصوصًا مع رغبة كل طرف متحارب فى تحقيق انتصار زائف يخسر فيه الوطن.