بقلم - عبد اللطيف المناوي
يبدو أن الضبابية تخيم على «اليوم التالى» لحرب غزة، ورغم اعتدال الطقس فى هذا الوقت من السنة، فإن الغيوم السياسية مازالت عالقة فى سماء غزة، بفعل رماد النيران الإسرائيلية، وبفعل تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، وتفننه فى إجهاض أى خطط لما يُسمى «اليوم التالى» لحرب غزة.
هذا التعنت لا يُغضب الغزاويين أو الفلسطينيين بشكل عام، ومنهم حركة حماس، ولا يُغضب العرب، خصوصًا الموجودين فى مفاوضات إنهاء الحرب أو الهدنة، بل صار أيضًا يغضب القادة الأمريكيين وشريحة كبيرة من المجتمع الإسرائيلى على حد سواء، وهذا ما كشفته صحيفة «واشنطن بوست»، مؤكدة أنه بعد أكثر من ستة أشهر من الضربات والاجتياحات المستمرة لمناطق بغزة، إلا أن الحرب لم تُحسم، ولم يستطع نتنياهو وجيشه تحرير الرهائن، الذين من أجلهم قامت الحرب فى الأساس.
لكن ماذا عن «اليوم التالى»؟.
إن مسألة الحديث عن محاولة إنقاذ نتنياهو لمستقبله السياسى بإطالة أمد الحرب باتت مكررة، وربما يصدقها الإسرائيليون أكثر بكثير من غيرهم، إذ تؤكد بعض وسائل الإعلام العبرية بشكل واضح وصريح أنهم محبطون من استئناف حماس للعمليات العسكرية رغم كل هذه القذائف التى أطلقتها الآلة العسكرية الإسرائيلية طوال المدة الماضية، بلا هوادة، والتى سوّت الأرض تقريبًا، مؤكدة أنه مادامت لا توجد عملية دبلوماسية لتصور الوضع فى غزة بعد الحرب، فإن المهمة لن تكون لها نهاية.
المجتمع الإسرائيلى يرغب بشكل أساسى فى عدم تكرار 7 أكتوبر من جديد، واستمرار حماس (فى ظنه) سيكون تهديدًا له، لهذا هم غاضبون من نتنياهو لأنه إلى الآن لم يستطع أن يُنهى تواجد الحركة.
أما الأمريكان، فمستشار الأمن القومى بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، قال بشكل واضح إن الحرب ضرورية، ولكنها ليست كافية لهزيمة حماس، مشددًا على ضرورة وجود خطة سياسية لمستقبل غزة.
اصبح من الواضح أن تعهدات نتنياهو وكلامه المستمر بهزيمة حماس وإنهاء وجودها بشكل نهائى لن تُجدى ولن تنفع، لأسباب عديدة، أولها أن الحركة متمددة فى جزء كبير من المجتمع الفلسطينى، وثانيًا أن قادتها، (رغم المآخذ الكثيرة عليهم)، مستمرون فى التفاوض، ويلقون دعمًا واضحًا من قوى إقليمية مختلفة، وثالثًا أن آلة الحرب لن تستطيع أن تفرض واقعًا سياسيًّا، وهذا مُجرَّب فى أكثر من نزاع حول العالم، ورابعًا يبدو أن نتنياهو قد فضل إنقاذ نفسه على إنقاذ بلده، وهذا واضح من تصريحاته وتصريحات كل المتشددين المقربين منه.
وبالتالى، فإن بعض كلام المسؤولين والمتابعين الإسرائيليين فى الصحف بأن نتنياهو متأكد من عدم وجود قوة بديلة لحماس، تستعد للسيطرة على قطاع غزة، أمر حقيقى وواقعى، ولا يقبل النقاش. لهذا فإن نتنياهو مُجبر، أو سيُجبر على اللجوء إلى مائدة التفاوض من أجل «يوم تالٍ» فى غزة، ولكن الوقت بالتأكيد ليس فى صالح الضحايا من أهلنا فى القطاع، والذين يحلمون بشروق يوم جديد من دون غبار أو رماد أو غيوم.