بقلم - عبد اللطيف المناوي
الغضب من محمد صلاح بسبب تأخر موقفه تجاه ما يحدث في غزة كان مفهومًا إذا ما أخذناه على مستواه الظاهرى، فصلاح هو فخر العرب، هو الصورة الأهم للمواطن العربى في أوروبا ربما منذ سنوات طويلة، الشخص الناجح الهادئ الصبور الوفى الذي لا يكل في اجتهاده أو سعيه للأفضل له وللفريق الذي يلعب له، حتى لو لم يكن الفريق مصريًا.
أما على المستوى الخفى فإن الغضب ربما كان زائدًا عن الحد، لأنه حتى عندما تحدث في الفيديو الذي أصدره، تمت مهاجمته بقسوة، بل واتهمه البعض بأنه كان «مائعًا» في موقفه، فلم يدن المجازر الإسرائيلية صراحة، ولم يبدِ موقفًا واضحًا مساندًا تجاه الفلسطينيين، وهذا المستوى في التعامل مع صلاح ربما لم يكن لائقًا أبدًا، بسبب قيمته التي قد يكون الكثير من أصحاب هذا المستوى لا يعرفونها أصلًا!. لا أدعى معرفتى بما يضمره من استمروا في الهجوم على صلاح حتى بعد الفيديو، كما أننى غير مقتنع بفكرة أن هذا الهجوم ممنهج ومدفوع لصالح أشخاص أو جهات بعينها، ولكن ما أناقشه الآن هو قدرة البعض العجيبة على فصل صلاح باعتباره «فخر العرب»- كما يصفونه- عن العالم الذي استطاع أن يعيش فيه، ويلاقى داخله كل هذا النجاح.
ما أناقشه هو القدرة الغريبة على مقارنة محمد صلاح بباسم يوسف بعد مداخلته مع الإعلامى بيرس مورجان، وهى التي جعلت البعض يسحب لقب «فخر العرب» منه ويعطيه لباسم!، وذلك بعد أن انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى صورة لاثنين (صلاح وباسم)، وفى التعليق جملة: «محمد صلاح متصور مع فخر العرب»، وهو ما رد عليه باسم يوسف بمنشور بالغ الأهمية والدقة والدلالة.
واسمحوا لى أن أستعين بتحديث كتبه باسم على منشوره المهم هذا فيقول: «أنتم مش عارفين الدنيا في العالم بره العالم العربى كانت مشحونة قد إيه. صورة تانية خالص غير اللى واصلة للعالم العربى. الرواية المتصدرة كانت مُرعبة وكان من المستحيل الدفاع عنها تحت أي مسمى، لدرجة أن مجرد التعاطف مع المدنيين في حد ذاته يساوى إنك موافق على ذبح الأطفال (...)، تانى أنتم مش عارفين الصورة هنا إيه. في إنجلترا الصورة مشحونة أكتر من أمريكا. محمد صلاح لو كان طلع وقال الرسالة اللى في الفيديو اللى مش عاجب ده كان زمانه اندبح». باسم يوسف تحدث بالمنطق وبالعقل، فصلاح لاعب كرة في النهاية، لا يتدخل في السياسة، احتفاله بالكريسماس ليس رسالة سياسية، بل نشاط إنسانى. تعزيته في موت ملكة إنجلترا هو أيضا فعل إنسانى وليس سياسيا.
مقارنة فيديو صلاح بلقاء باسم ظالمة، لأن الكلام ليس عمل صلاح، مثلما أن لعب الكرة ليس عمل باسم. قصف الجبهات ليس عمل صلاح، كما أن إحراز الأهداف ليس عمل باسم. ولكننا يبدو أن آفة حارتنا ليست النسيان كما قال نجيب محفوظ، بل إنها هدم أي قيمة ناجحة، بدلًا من الحفاظ عليها.