بقلم - عبد اللطيف المناوي
بدأ المؤتمر بشعار «هل يخسر الجميع؟»، وانتهى فى جلسته الأخيرة بشعار تمثل فى عنوان الجلسة الأخيرة «لا وقت للخسارة». وأظن أن الواقع أكثر اتساقًا مع الشعار الأول، بينما يظل الثانى أمنية لا تحمل مقومات تنفيذها حتى الآن.
وسط التنافس الجيوسياسى المتزايد والتباطؤ الاقتصادى العالمى، أصبحت الأطراف الرئيسية الفاعلة فى مختلف المناطق غير راضية عما تعتبره توزيعًا غير متكافئ للمنافع المطلقة للنظام الدولى.
لم تعد الحكومات تعطى اهتماما لفوائد التعاون بقدر قلقها من أنها تحقق مكاسب أقل من غيرها، ما يجعل أولويتها تحقيق المكاسب النسبية، وبالتالى قد يتسبب ذلك فى سيادة الخسارة للجميع.
أصبح التناقض ما بين تحقيق مكاسب لكل دولة منفردة وفى نفس الوقت إحياء التعاون وتقديم حلول للتحديات العالمية الملحة سببا فى خسارة الجميع. كما ذكرت، منذ البداية، سيطرة حالة عدم اليقين والتشكك فى أهداف ونوايا الأطراف الأخرى تؤدى إلى ما يواجهه العالم الآن من تباطؤ شديد فى النمو الإيجابى الذى تستفيد منه كل الأطراف.
من وجهة نظر العديد من الدول النامية، فإن النظام الدولى لم يفِ قط بوعده بتنمية المنافع لصالح الجميع. وتشعر الصين، التى ربما تكون المستفيد الأكبر من النظام الاقتصادى الليبرالى وغيرها من المنافسين، أن الولايات المتحدة تعمل على تقليص تطلعاتها المشروعة وتضغط بقوة من أجل الحصول على حصة أكبر من المصالح.
شهد مؤتمر ميونخ هذا العام فى نسخته الستين ملفات معقدة، أبرزها حرب غزة، والتسلح النووى، أمن دول أوروبا، الهجرة، التغيرات المناخية والتطورات التكنولوجية، الذكاء الاصطناعى وعالم السايبر.
فى العموم، ساد التشاؤم معظم الملفات السياسية والاقتصادية هذا العام.. تشاؤم بخصوص حرب أوكرانيا، خاصة فى جزئية أمن دول أوروبا فى ظل استمرارها. استطلاعات بعض دول أوروبا تشير إلى أن غالبية المواطنين فى دول أوروبا، منها ألمانيا، يعتقدون أن بلادهم غادرت زمن الرفاهية وتحتاج إلى سنوات طويلة للخروج من الأزمات الاقتصادية والأمنية.
ما يشهده العالم الآن من تعدد وتفاقم الحروب والصراعات ربما لم يشهدها العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ويعود ذلك إلى انفراد الولايات المتحدة بالعالم، وعجز الأمم المتحدة وترهلها كمنظمة دولية معنية بالأمن الدولى.
وفيما يتعلق بحرب غزة وصراع الشرق الأوسط، فقد أظهرت النقاشات داخل المؤتمر المخاوف من تفاقم الصراع فى الشرق الأوسط، وحرب غزة، لما له من تداعيات أمنية على الأمن الدولى والسلم العالمى. ورغم غياب إيران من المشاركة بسبب عدم دعوتها لحضور هذا المؤتمر، فقد كانت حاضرة بتأثيرها.
الأهم فى مؤتمر ميونخ الذى يعد أمنيًا بامتياز فى إجراءاته الأمنية الشديدة أنه يعتبر منصة ومكانا لصناع القرار للحوار وعقد جلسات ثنائية فى غرف مغلقة على مستوى قادة دول وأجهزة استخبارات وعسكريين لعقد لقاءات غير رسمية. أما النقاشات والجلسات العامة، فهى «غطاء» ممتاز ننشغل نحن به، وتظل الغرف المغلقة هى «الفعل» الحقيقى.