بقلم - عبد اللطيف المناوي
كنت أنوى اليوم استكمال ما بدأته أمس من تناول ما قد تفكر فيه الولايات المتحدة من تغيير استراتيجيتها بشأن التعامل مع الشرق الأوسط، وأشكال العودة من جديد، إن كان هناك عودة.
ولكنى وجدت نفسى منشغلًا جدًا بالخبر الذي نشرته صحيفة «جيروزاليم بوست» ونقله الكثير من وكالات الأنباء، بشأن تغيير اسم العملية العسكرية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطينى في غزة، من «السيوف الحديدية» إلى اسم آخر يحمل بُعدًا دينيًا عقائديًا، وقد اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلى على مقربين له اسمى: «حرب سمحات التوراة» أو «حرب التكوين».
ويبدو للمتابع- وغير المتابع أيضًا- من الاسمين «المقترحين» أن المسؤول الأول في إسرائيل يريد إضفاء بُعد عصبى جديد على الحرب، حيث يريد جعلها حربًا دينية على غرار الحروب الصليبية التي شنتها ممالك أوروبا القديمة على المنطقة، وبالتحديد أيضًا القدس، كما أنها عودة واضحة لمسمى «الحرب الإلهية المقدسة» الذي استخدمه جورج دبليو بوش في الحرب على تنظيم القاعدة في أفغانستان، والقضاء على نظام صدام حسين في العراق.
ولا تبتعد المسميات الإسرائيلية المقترحة كذلك عن المسميات التي أطلقها أسامة بن لادن على هجماته الإرهابية التي شنها على أمريكا، وخلّف إثرها آلاف الضحايا، سواء من الأمريكان أو حتى شعب أفغانستان الذين لم يكن لها يد في أي شىء، سوى أن حكومة طالبان المسيطرة على الوضع هناك آوت وساندت الزعيم الإرهابى.
فقد أطلق أسامة على هجمات سبتمبر اسم «غزوة مانهاتن» وأتبعها بالكثير من المسميات والألفاظ ليدلل على أنها حرب دينية وذلك لاجتذاب عدد أكبر من المناصرين في العالم. نتنياهو يفعل الشىء ذاته، وبنفس العقلية والتوجه. فهو يريدها حربًا دينية لاكتساب المزيد من التعاطف اليهودى.
«سمحات التوراة» أو بهجة التوراة، هو عيد يهودى تزامن هذا العام مع هجمات حماس على المستوطنات الإسرائيلية في يوم 7 أكتوبر، أما «حرب التكوين» فهو اسم مستند إلى أول أسفار العهد القديم، «سفر التكوين»، وهو السفر التوراتى الذي يحكى قصة بداية الخلق حتى وقت سيدنا يوسف (عليه السلام)، الذي بدأت فيه- حسب المعتقد اليهودى- بداية تكوين الدولة العبرانية.
تحدثت في السابق عن خطورة ما تفعله حماس والجماعات الإسلامية المسلحة عمومًا من رفع شعارات دينية في نزاعاتها، والآن نتنياهو يفعلها بنفس الطريقة، ويبدو أنه يقصدها، وهو أمر سيزيد كثيرًا من دائرة الصراع، ويوسعها بأكثر مما تحتمل، خصوصًا أن التسريبات التي نقلتها الصحيفة تؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلى يتعامل مع الأمر باعتباره ليس ضربة قوية فقط، بل حربا مكتملة الأركان، أما إضفاء المسحة الدينية فيجعلها حربًا عقائدية، قد تستمر طويلًا.