بقلم - عبد اللطيف المناوي
كثيرة هى نقاط القوة المفترضة فى أجسادنا العربية، ولكنها جميعًا، أو معظمها، حوّلناها إلى نقاط ضعف. تعددنا كدول تملك ثقافة واحدة وحدودًا مشتركة ولغة واحدة، حوّلناه إلى نقطة ضعف كبيرة، عندما أفردنا كلًّا فى طريقه لينقذ نفسه، واهمًا، بالتفاوض مع الآخر، ظنًّا منه، واهمًا أيضًا، أنه سوف يكون ذا مكانة أكثر خصوصية، أو أَوْلَى بالرعاية، كما هى لغة الاقتصاد والسياسة، ولكنه لا يعلم أنه بذلك أضعف الآخرين، بل أضعف نفسه. ويزداد الإحساس بالخطر مع كل ما يشهده العالم من حالة سيولة عامة وصراع فى أماكن ودول لم يكن ممكنًا لأحد أن يتوقع أزمة فيها.
وهكذا تتحول نقطة القوة فى الجسد وتتحور إلى امتداد لكعب أخيل (الأسطورة الإغريقية الشهيرة). نقرر أن نبحث عمّن فى الخارج لنستأسد به على إخواننا فى الداخل، نعتقد أن خلاصنا من مشكلاتنا لن يكون إلا باستحضار قوة هى ليست قوتنا الحقيقية، ولكنها قوة مستمدة من آخرين، ونعتقد أننا إن حققنا أهدافنا قصيرة النظر، فإننا بذلك نكون قد حققنا نصرًا، مع أننا بهذا نكون قد سجلنا خطوة متراجعة، ومتنازلة عن عناصر قوتنا الحقيقية.
لا أملك كمواطن فى مجتمع عربى لا يملك من الأمر شيئًا إلا أن يقول ما يراه، ويحاول أن يعبر عن مخاوف حقيقية يستشعرها، إلا أن أشير إلى ما أستشعره ويستشعره غيرى، ممن لا يملكون من الأمر شيئًا، من الخطر الذى ندفع أنفسنا إليه. لن ينتصر الخارج لأى منّا على حساب طرف آخر، الوحيد المنتصر هو ذلك المستدعَى من قِبَل بعضنا، ولن يُستثنى أى منّا من دفع ثمن ذلك التنازل المستمر، لن ينتصر أى من أهل السودان إن حققوا أهدافًا عبر ضغوط الخارج، وليس نصرًا للشيعة أن يحققوا بعض ما يهدفون إليه ويعتقدونه حقًّا لهم، وليس نجاحًا للسُّنة أن يسودوا على الآخرين، إن تم ذلك عبر بوابة خارجية، ولن يكون إنجازًا مهمًّا لأى دولة عربية، إن حققت إنجازًا منفصلًا لها على حساب غيرها من الدول العربية، أو منفردة بقرارها ظنًّا أنها بذلك تحقق ما لا يمكنها تحقيقه مع الآخرين.
ما فات ليس كلامًا محفوظًا ورديًّا، وليس «أكليشيهات»، ولكنه تعبير عن مخاوف حقيقية من أن يتحول ونتحول جميعًا إلى مأساة جديدة، تقرأ قصتها أجيال قادمة، بعد زمن طويل لتتعظ بمَن لم يتّعظ بمآسى مَن قبله.