بقلم - عبد اللطيف المناوي
كتبت سابقًا عن «التخريب الكبير»، أو الأخطاء التى تُعد تخريبًا تعجز المؤامرات المتعمَّدة عن تنفيذه. مع الأسف، هذه الأخطاء الكبيرة، والمحمية فى معظم الحالات بنصوص قانونية ولوائح إدارية، منتشرة فى جسد الدولة، تحمى المخطئ وتعطيه حصانة ضد العقاب، وندفع الثمن كدولة تجاهد من أجل الخروج من عنق أزمة اقتصادية إلى رحابة انفراجة وتقدم يستحقه هذا البلد.
تحدثت عن التخريب المنظم فى صناعة السياحة وما يحدث فى منطقة الأهرامات، ولم يهتم أحد إلا مَن يعانون من الشركات هناك، والأهم أنه لم تحدث محاولة لوقف التخريب.
أتحدث أيضًا عن السياحة، التى لا تجد مَن يرحمها، فى حين أن نجاحنا فيها سوف يرحمنا بتوفير عملة صعبة، لكنها «سهل» الحصول عليها لو توقفت عمليات التخريب، وقد نجد هذه المرة مَن يسمع.
أظن أن معظمنا علم بقصة السائحة الفرنسية، التى قضت ثمانية أيام محبوسة فى الأقصر، منها ليلة على «البورش» فى «التخشيبة» مع ٤٠ محبوسة، قبل نقلها إلى غرفة حجز أقل سوءًا، بعد أن تم إيقافها فى مطار الأقصر عندما اشتبه رجال المطار فى تمثال صغير فى حقيبة يدها، ولم يصدقوها عندما قالت لهم إنه نسخة اشترتها من محل هدايا الفندق الفاخر الذى كانت تنزل فيه، بينما أكد اثنان من «خبراء» الآثار أن التمثال عمره ٤٥٠٠ سنة!!.
وبعد التحقيق والتحقق واستجواب صاحب المحل والورشة التى تصنع التمثال، الذى وجدوا منه عشرات على الأرفف، وتدخل السفير الفرنسى، تم إطلاق سراحها، بعد «اتخاذ الإجراءات»، التى استغرقت وقتًا هى الأخرى!!. (علامات تعجب أخرى).
كان من الممكن ألّا نسمع عن هذه القصة، التى يبدو أنها ليست الوحيدة، لولا حديث السيدة لأهم صحيفة فرنسية «الفيجارو» لتحكى قصتها، التى باتت متداولة بكثير من الدهشة ممن لم يستطع أن يتخيل، والغضب ممن يحرصون على البلد، و«التشفى» ممن يتربصون.
توقفت، بين كثير مما يستحق التوقف، أمام أمرين، الأول هو قيمة التمثال التى دفعتها السائحة، 240 يورو، لأنها وقعت فى غرام التمثال قبل أن ينقلب لعنة عليها. والثانى ما تضمنه قرار الإفراج عنها من ترحيلها من البلاد، ومنعها من الدخول إلى مصر فى المستقبل!!. (علامات تعجب أخرى).
لن أسير مع الرأى القائل بأن موظفى المطار هم المخطئون، وذلك لأنه ببساطة شديدة القانون واللوائح تحميهم، ولن أقول أيضًا إن خبراء الآثار، الذين أكدوا أن التمثال أثر عمره أكثر من 4500 سنة، مخطئون لأن هذا هو مستواهم العلمى الذى لم يُختبر، وضابط الشرطة اتخذ الإجراءات وفقًا للقانون، وحبسها تبعًا للإجراءات والقواعد، وامتد حجزها لحين اتخاذ الإجراءات التقليدية.
الجميع احتاط ليحمى نفسه من احتمال الخطأ. ولا بأس أن تنهار السياحة. لكن الإجراءات مضبوطة وقانونية.
المشكلة هنا أن السياحة بلا أب شرعى. وهذا نقاش آخر.