بقلم - عبد اللطيف المناوي
من عاش فى بريطانيا فى تسعينيات القرن الماضى يستطيع أن يشعر بوضوح بحجم التغير الذى طرأ على البلد الذى كان يسير فيه رجل الشرطة وهو مسلح بمجرد عصا، وفى أكثر الحالات تشددًا كانت العصا تُحدث صدمة كهربية خفيفة. الآن أصبح معتادًا أن ترى رجل الشرطة يسير فى شوارع المدن البريطانية وهو مدجج بالسلاح، يمكن مقارنته بصور المارينز مكتملى التجهيز للقتال.
بالمثل كانت بريطانيا هى أكثر الملاذات الآمنة للمهاجرين واللاجئين، كانت القوانين البريطانية، وأكثر قوة الرأى العام، داعمة وحامية لهذا التوجه. وكانت إجراءات اللجوء حامية للاجئين والمهاجرين. لذلك لم يكن غريبًا أن تكون بريطانيا أحد المؤسسين لقوانين ومؤسسات حقوق الإنسان الأوروبية والعالمية. ولكن اليوم من يفهم سر تحول شكل رجل البوليس الذى سبقت الإشارة إليه يستطيع أن يفهم القانون الذى أقره البرلمان البريطانى، واعتبره كثيرون مثيرًا للجدل، يتيح للحكومة أن تُرحل إلى رواندا طالبى لجوء وصلوا إلى المملكة المتحدة بطريقة غير نظامية. ويمنح التشريع الجديد الوزراء صلاحية التغاضى عن أجزاء من القانون الدولى وقانون حقوق الإنسان البريطانى.
كانت المناقشات حول القانون قد استغرقت وقتًا طويلًا بين رافضين ومتحمسين للمشروع، وبين متحفظين يخشون من تداعياته والآثار التى يمكن أن تترتب عليه، خصوصًا ما يتعلق بتعارض المشروع مع القوانين البريطانية التى ظلت تدعو لها وتحرص على تطبيقها. وحاربت حكومة ريشى سوناك، هو نفسه حفيد مهاجرين، من أجل تمرير القانون انتصارًا لدافعى الضرائب.
الحكومة البريطانية تقول إن أعداد المهاجرين الوافدين إليها فى تزايد مطرد فى السنوات الأخيرة، وترتفع الشكوك لديها بأن معظمهم قد لا يكون مضطرًا للجوء أو تنطيق عليه مواصفات قوانين اللجوء. بلغت أعداد المهاجرين عبر القوارب الصغيرة إلى بريطانيا 45 ألفًا و700 فى 2022، بزيادة قدرها 60% مما كان عليه الوضع فى 2021، والذى كان 28 ألفًا و500، ووصلت فى 2023 إلى 65 ألفًا. وتتكلف الدولة ما يقرب من 3 مليارات جنيه إسترلينى سنويًا، وحوالى 6 ملايين جنيه يوميًا. ويبلغ عدد الفنادق المستأجرة للمهاجرين 398 فندقًا يبلغ عدد ساكنيها أكثر من 56 ألف مهاجر، حيث يبلغ جملة عدد طالبى اللجوء فى بريطانيا 74 ألفًا و751 شخصًا.
لن يتوقف الجدل حتى مع إقرار القانون وبدء تنفيذه، بدأت بالفعل ردود الفعل، دعت الأمم المتحدة بريطانيا إلى إعادة النظر فى القانون، محذرة من أنه يهدد سيادة القانون ويشكّل «سابقة عالمية محفوفة بالمخاطر». ودعا مسؤولون دوليون الحكومة البريطانية إلى «اتخاذ إجراءات عملية لمواجهة التدفقات غير النظامية للاجئين والمهاجرين، تقوم على التعاون الدولى واحترام القانون الإنسانى الدولى».
بينما تستعد وزارة الداخلية البريطانية لإعداد أول كشوف اللاجئين الذين سيُبعدون فى رحلات جوية خاصة، وتستعد رواندا لاستقبال هاربين من بلادهم، معظمهم من إفريقيا، ليجدوا أنفسهم فى بلد إفريقى مجاور.