بقلم - عبد اللطيف المناوي
.. وكأن الاقتصاد العالمى ينقصه توتر جديد فى مكان آخر؛ أقصد ما يحدث فى البحر الأحمر.. إذ لم تتعاف بعض الاقتصاديات العالمية بعد من أزمة جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، فتأتى الآن منطقة البحر الأحمر كمهدد جديد لحركة التجارة عبر العالم.
كثير من المنظمات الدولية دقت ناقوس الخطر، فمسؤولو (الفاو) أكدوا أن الحصار الذى فرضه الحوثيون على الممرات المائية عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر يؤثر سلبا على تجارة الغذاء العالمية، ما سيؤدى إلى ارتفاع الأسعار.. وهذا بسبب تضاعف تكلفة استئجار سفن للشحن عبر هذا الطريق لأربع مرات تقريبًا، بينما انخفض حجم حركة الشحن بنسبة 30%، وأن كبرى شركات الشحن فى العالم رفضت نقل البضائع عبر البحر الأحمر.
فى الوقت نفسه، أكد مسؤولون فى مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، المعروف باسم (الأونكتاد)، أن قناة السويس تعاملت مع من 12% إلى 15% من التجارة العالمية فى عام 2023، لكنهم قدروا أن حجم التجارة التى تمر عبر الممر المائى انخفض بنسبة 42% خلال الشهرين الماضيين، وفقًا لـ«أسوشيتد برس».
أما وكالة «ستاندرد آند بورز جلوبال» (S&P)، فذكرت أن اضطرابات البحر الأحمر من الممكن أن تؤثر بشكل مباشر على إمدادات الغاز المسال إلى أوروبا وآسيا، وحذرت الوكالة من أن هذا الاضطراب فى إبطاء عمليات تسليم الغاز قد ينذر بكارثة.
وتزامنت هجمات الحوثيين مع تعرض طرق التجارة الرئيسية الأخرى لضغوط كبيرة، بسبب الحرب فى أوكرانيا، التى أعادت هى الأخرى تشكيل طرق تجارة النفط والحبوب. وقد ظهر من جديد حديثٌ عن طرق أخرى لتكون بديلة للبحر الأحمر، ومنها طريق «رأس الرجاء الصالح»، باعتباره المسار البديل الوحيد، لكن هذا الطريق أطول بـ 8000 كيلومتر، ويستغرق من 10 إلى 14 يومًا إضافيًا على الأقل، وهو ما يمثل إضافة إلى وقت الرحلة تؤدى إلى تقليص هوامش أرباح شركات الشحن.
وطريق «رأس الرجاء الصالح» مرتبط لدينا - نحن المصريين - دائمًا بكتاب التاريخ، وبفترة محمد على باشا، وبتأثيره على المصالح المصرية، كما أنه مرتبط كذلك بفكرة إنشاء قناة السويس باعتباره المجرى البديل الآمن، والأقصر مسافة فى نفس الوقت، كما أنه مرتبط فى تاريخ العرب بفترة الحروب الصليبية، إذ كان اكتشافه بداية لتطويق المنطقة.. ومجرد استخدامه أو الحديث عن استخدامه، يُشعرنى بخطر حقيقى على الدول المطلة على البحر الأحمر، ومنها بالتأكيد مصر.
التأثير السلبى على اقتصاد العالم جراء تلك التوترات سوف يصيب المنطقة العربية ولا شك، فأتمنى ألا تُضاف أزمة جديدة لأزمات الجائحة والحرب فى أوكرانيا، خصوصًا أن الأزمتين السابقتين ليس لنا حول ولا قوة بهما.. أما ما يحدث فى البحر الأحمر، فالحول والقوة حاضران.