بقلم - عبد اللطيف المناوي
أسعدنى جدًا خبر اعتماد الطلب الفلسطينى بإدراج رقصة «الدبكة الشعبية» على قائمة منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) للتراث الثقافى غير المادى، وذلك خلال اجتماع المنظمة الأخير فى دولة بتسوانا الإفريقية.
القرار جاء فى ظرف دقيق للغاية، حيث تتعرض غزة لقصف عنيف، ويتعرض شعبها لما يشبه الإبادة الجماعية، وبالتالى فإن الهوية الفلسطينية ذاتها تتعرض لمحاولات المحو من آلة عسكرية غاشمة لا تفرق بين الأخضر واليابس.
وقد أتى القرار بعد جهود قامت بها السلطات الفلسطينية بالتعاون مع المؤسسات الرسمية والأهلية منذ نحو عامين، ويعتبر تسجيل رقصة «الدبكة الشعبية» الفلسطينية على القائمة الملف الثالث المسجل باسم فلسطين، بعد «الحكاية الشعبية» و«فن التطريز الفلسطينى»، والتى استوفت ثلاثتها المعايير المعمول بها فى اليونسكو لتسجيل الملفات.
وأعتبر هذا القرار انتصارًا حقيقيًا للهوية الفلسطينية، فى حربها للبقاء والوجود، فالحفاظ على التراث الفلسطينى بشكله المادى وغير المادى هو مهمة وطنية خالصة، يحرصون على توريثها من جيل إلى آخر خوفًا عليه من الضياع والسرقة، وحفاظًا عليه من الاندثار والتلاشى فى ظل وجود دولة محتلة احترفت سرقة التاريخ وتزويره.
وقد كانت «الدبكة» قبل الاحتلال تأخذ طابع المناسبات، فلا يكاد يخلو عرس فلسطينى من رقصها، وغالبًا ما يبادر الشبان الذين يجيدون أداءها للمشاركة فى هذا النوع من الفن خلال المهرجانات والمناسبات الوطنية. ورغم محاولات الاحتلال الإسرائيلى طمس كل ما يتعلق بالهوية الفلسطينية، إلا أن «الدبكة الشعبية» حافظت على استمراريتها وحضورها، وقد صارت بعد نكبة عام 1948 شكلًا من أشكال النضال الوطنى.
فهى تؤدى عن طريق تشابك الأيدى كدليل على الوحدة والتضامن، بينما يضرب الراقص فيها أقدامه بقوة فى الأرض دلالة على العنفوان والرجولة، ترافقها أغانٍ تعبر عن عمق الانتماء للأرض الفلسطينية التى يحبها هؤلاء الراقصون والمستمعون كذلك.
بالأمس كان ارتفاع مبيعات «الكوفية الفلسطينية» فى العالم، وكذا البحث عنها على الإنترنت، باعتبارها رمز المقاومة الفلسطينية، رغم محاولات التضييق، واليوم «الدبكة» تسعدنا بعد هذا القرار الأممى، وفى الطريق ملف الصابون التقليدى (النابلسى)، حيث قدمته السلطات الفلسطينية لتسجيله على قائمة التراث فى عام 2025، وذلك بعدما استوفى جميع المعايير التى تحكم التسجيل.
كل هذا يوحى بأن البلد الضاربة فى جذور التاريخ لن يستطيع أحد أن يمحو هويتها، ورغم أنها انتصارات ليست على الأرض، إلا أنها انتصار، على الشعب الفلسطينى أن يفخر به الآن. ومثلما ختمت مقال الأمس بالقول بأن زعماء حماس لا يرتدون «الكوفية الفلسطينية»، أو نادرًا ما يرتدونها، فإنهم بالتأكيد نادرًا ما يرقصون «الدبكة»!.