بقلم - عبد اللطيف المناوي
حتى لو بدأ الاهتمام يتراجع قليلًا عن متابعة الحرب الإسرائيلية على غزة، إلا أن الطرح الإسرائيلى بإيجاد ما يُسمى «الإدارة المدنية» للقطاع، لابد وأن يكون قد تنامى إلى مسامع الكثيرين، والذين فهموا أن المقصود بتلك الإدارة هو الاعتماد على مجموعة فلسطينية فى هذه الإدارة، لكن ربما يكون الحديث الأكثر واقعية هو أن تكون إدارة القطاع أشبه بإدارة ذاتية تحت سيطرة إسرائيلية، وهو النموذج الذى كان قائمًا من قبل إدارة الضفة الغربية، والتى وصفها صديق فلسطينى بقوله إن الأمر الوحيد الذى له علاقة بـ«المدنية» هو الاسم، بينما القائمون عليها والعاملون فيها معظمهم من ضباط الجيش الإسرائيلى.
إذن هى إدارة إسرائيلية تامة من قبل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وتحت غطاء مسمى «إدارة مدنية».
تلك الإدارة لم تكن وليدة الزمن القريب، بل الزمن البعيد، فبعد احتلال إسرائيل لما تبقى من فلسطين فى 1967 فرضت تل أبيب حينها نظام حكم عسكريًا، وأصدرت قوانين وأوامر عسكرية لتكريس سياسات الأمر الواقع، كما ربطت جميع المؤسسات المتصلة بحياة الفلسطينيين بضباط من جهاز الأمن الإسرائيلى، وكانوا حينها يتحدثون العربية.
وكثير من الذين سافروا إلى الضفة الغربية يعرفون جيدًا أن مسألة السفر إلى هناك لابد وأن تكون تحت إدارة إسرائيلية، كما أن من مظاهر ابتزاز الفلسطينيين السفر للخارج، حيث كان الفلسطينيون يسافرون من خلال معبرين: الإسرائيلى والأردنى، حيث يسافر من يحمل جواز السفر الأردنى عبر تصريح خاص تصدره الجهات الإسرائيلية.
كما سيطر الإسرائيليون على تعيينات قيادات محلية فى القرى بهدف معلن، وهو حل الخلافات ومساعدة المزارعين فى تحسين أوضاعهم الاقتصادية، لكن الهدف الخفى كان سيطرة الاحتلال على الضفة. وكان الإجراء الأكثر صراحة فى هذا الأمر حدث فى أكتوبر 1981، وشمل أيضًا قطاع غزة إضافة إلى الضفة، عندما أنشأ الاحتلال ما سُمى بـ«الإدارة المدنية»، عبر جهازى إدارة منفصلين، واحد للقطاع، والآخر للضفة الغربية.
استهدفت إسرائيل ومازالت تستهدف ربطًا كاملًا لمفاصل حياة الفلسطينيين، تحقيقًا لسياسة الإخضاع والسيطرة، على الرغم من أن الهدف الرئيسى من وضع كل الأمور تحت قيادة السلطة الفلسطينية كان حل الإدارة المدنية، ولكن ما حدث هو تقليص عدد العاملين، وإبقاء بعض الصلاحيات بيد الإسرائيليين كذلك.
استعادة دور «الإدارة المدنية» من جديد يأتى متناغمًا مع توجهات قيادات إسرائيل الآن، التى تسعى لضم المستوطنات، وإنهاء حل الدولتين، وإعادة تشكيل السلطة الفلسطينية، بما يتناسب مع الرؤية الأمنية للحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، الذى يمثل توجهًا متناميًا فى الداخل الإسرائيلى من تغليب وجهة النظر اليمينية المتطرفة على كل الملفات التى تخص الأرض المحتلة، لتتأكد مقولة صديقى من أن الإدارة المدنية فى فلسطين لم ولن تكون مدنية.