بقلم - عبد اللطيف المناوي
كانت قارة إفريقيا، ولعهود طويلة سابقة، مسرحًا للصراعات بين القوى الاستعمارية الكبرى، حيث تسابقت فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها للاستحواذ والسيطرة على كنوز القارة السمراء ومواردها، ما يُؤمّن لتلك القوى احتياجاتها ومخزونها الاستراتيجى من معادن نادرة وثروة غذائية وثروات أخرى حباها الله لهذه البقعة من الأرض دون غيرها.
ونتيجة لطول فترات الاستعمار، وأسباب أخرى لها علاقة بالتعدد الإثنى والعرقى والدينى، فإن العديد من دول إفريقيا ظلت لعهود طويلة تعانى من عدم استقرار على المستوى السياسى، سببته الحروب الأهلية الطاحنة والمستمرة، وكذلك صراعات الانفصال والجنوح نحو الحكم الذاتى لبعض المناطق، ما أدى إلى جعلها أرضًا خصبة ومهدًا لمحاولات قوى استعمارية قديمة تسعى للسيطرة عليها من جديد، أو لمحاولات قوى وتكتلات اقتصادية جديدة تسعى هى الأخرى لتحقيق أهدافها ذات الطابع الاقتصادى والسياسى من خلال مد نفوذها إلى تلك المنطقة المليئة بالصراعات والكنوز فى آن واحد.
لقد صارت صورة إفريقيا لدى الغرب مجرد سلة من المعادن والأخشاب والمنتجات الزراعية المعالجة بالكاد (الكاكاو والبن والموز)، كمواد خام لتغذية صناعات بعض دول العالم المتقدم، فى المقابل أصبحت إفريقيا تعتمد فى احتياجاتها الاستهلاكية على استيراد السلع المصنعة فى الغرب، والتى غالبًا ما تُصنّع باستخدام المواد الخام الإفريقية، ولكن بكلفة مرتفعة للغاية، ما يزيد اقتصادات دول إفريقيا إرهاقًا على إرهاقها.
إعادة الهيكلة التى تسعى بعض القوى الاستعمارية وغير الاستعمارية لاقتصادات إفريقيا وتوجهها نحو الاحتياجات الخارجية للتصنيع الأوروبى له عواقب وخيمة على الديناميات الداخلية للاقتصادات والمجتمعات، ما قد يزيد الأمور سوءًا، خصوصًا فيما يتعلق بالاستقرار السياسى والاجتماعى لدول القارة.
الصورة السيئة والمخيفة التى رسمها الغرب لإفريقيا فى السابق، ومازال يعيد رسمها، أظن أنها لن تُمحى قريبًا من مخيلة الغرب، لاسيما بعد ما رأيناه فى المواقف المختلفة تجاه ما يحدث فى النيجر، ما يؤكد أن من المستحيل أن تتوقف محاولات العبث بمقدرات إفريقيا وشعوبها، ما يقوض من تراكم الثروة فى دول القارة وإعادة استثمارها فى تجديد ورفع مستوى القدرات الإنتاجية للمجتمعات، وبالتالى يُقوّض قدرتها على تلبية الاحتياجات المتغيرة للشعوب.
أظن كذلك أن المحاولات الجادة من أطراف إفريقية، فى مقدمتها مصر، لدعم استقرار إفريقيا ومساندة استقلاليتها من أجل تحقيق تنميتها المستدامة كانت صادقة وتريد النفع والخير لشعوب القارة، من أجل صد محاولات السيطرة على كنوزها كأحد أهم الأسلحة المستخدمة الآن.