بقلم - عبد اللطيف المناوي
كثيرة هى الحلول التى سمعنا عنها خلال الأيام الماضية، لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، قرأنا تسريبات صحفية بأن أوكرانيا قد تقبل فكرة «الحياد»، أى أنها لن توالى الغرب فى مواقفه، ولن تنضم إلى حلف شمال الأطلسى «الناتو»، وسمعنا عن الطرف الآخر الروسى أن موسكو قد تتخلى عن بعض مطالبها الرئيسية من العملية العسكرية، مثل الإطاحة بالرئيس فولوديمير زيلينسكى.
سمعنا عن أن المفاوضين الروس والأوكرانيين، الذين يجرون جولات محادثات خلال الفترة الماضية، مستعدون لمناقشة تنازلات الطرفين بشأن «شبه جزيرة القرم»، و«إقليم دونباس»، وغيرهما من الأراضى المتنازع عليها.
سمعنا أن الطرفين على استعداد لمناقشة فكرة انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبى، وقد ألمحت روسيا إلى قبولها، بشرط مناقشة مظلة بند الدفاع المشترك للكتلة، الذى يلزم الدول الأعضاء الأخرى باستخدام جميع الوسائل المتاحة لمساعدة عضو يقع ضحية لعدوان مسلح على أراضيها.
سمعنا كذلك عن إمكانية احتفاظ أوكرانيا بالسيادة على أراضيها، بينما تتنازل عن بعض المناطق تجاريًّا لصالح روسيا، وسمعنا كذلك بعض المعلومات التى تفيد بأن تركيا اقترحت أن تستأجر موسكو «شبه جزيرة القرم» و«دونباس»، بنفس الطريقة التى استأجرت بها بريطانيا جزءًا من هونج كونج من الصين لمدة قرن تقريبًا.
كل هذه الحلول مطروحة على مائدة المفاوضات، رغم أن المواقف المعلنة، من قبل السلطات فى روسيا وأوكرانيا، مازالت متباعدة، لكن إرادة التنفيذ، ورغبة الخروج من الأزمة هى ما ستحسم كل شىء.
إذا كانت هزة جائحة كورونا قد غيرت العالم، فمن المؤكد أن العالم يتغير الآن بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حتى إن الحلول التى يمكن طرحها فى مثل هذه المفاوضات بين المفاوضين على الجانبين ستكون غريبة على الأسماع، لكنها طرق لمحاولة إعادة تشكيل المنطقة، بل وإعادة تشكيل منظومة القوى فى العالم كله، بعد رغبة من كل الأطراف ألا يكون العالم، بعد الحرب الروسية الأوكرانية، مثل العالم قبلها.
فهذه الحرب بمثابة زلزال كبير هز الكرة الأرضية، نعم، هى ليست بضخامة الحروب العالمية السابقة، لكنها أتت فى وقت تلاشت فيه فكرة الحرب الصريحة المباشرة بين قوتين أو أكثر.
ستنتهى الأزمة، كما قلت فى مقال سابق، لكن ما لن ينتهى هو منهج هذه الحرب، التى غابت عنها المعلومات الواضحة، كأننا فى عالم آخر. حتى المفاوضات الجارية، فإن ما يخرج عنها وحولها مجرد تسريبات وتكهنات. ستنتهى الأزمة، ولن ينتهى الجرح الذى أصاب العالم.