بقلم - عبد اللطيف المناوي
حينما تستمع إلى بعض مدربى كرة القدم العالميين، تدرك أن غاية لعبة الكرة ليست فقط الترفيه أو المنافسة، ولكنها تعطى كثيرًا من دروس الحياة.
ولا أخفى إعجابى الشديد بالمدرب الألمانى يورجن كلوب، الذى اتخذ قرارًا بالرحيل عن الفريق الإنجليزى «ليفربول» نهاية هذا الموسم، بعد ثمانى سنوات ونصف من التحديات الكبيرة ومن الألقاب التى حصل عليها مع جيل أفذاذ من اللاعبين، فى مقدمتهم لاعبنا الذى نفتخر به محمد صلاح.
فى مؤتمر الإعلان عن الرحيل، قال كلوب إن طاقته نفدت بعد 24 سنة من مسؤولية تحملها فى هذه الوظيفة، التى يجب على من يشتغل بها أن يكون فى قمة مستواه، مؤكدًا أنه سيحرص على أن يعيش حياة طبيعية. وعندما سأله أحدهم عن ماهية الحياة الطبيعية، قال المدرب الألمانى: «لا أعرف ما هى الحياة الطبيعية، لذا يجب أن أعرف».
القَدَر المكتوب على جبين كلوب وعدد آخر ممن يتحملون المسؤولية هو العمل من أجل النجاح فقط، خصوصًا مع ارتباط اسم كلوب أو غيره بكيانات كبيرة ومهمة مثل ليفربول أو غيره من الأندية أو من المؤسسات الضخمة.. هذا القدر يجعل الملايين من المشجعين والمنتمين يضعون آمالهم على هؤلاء، وقد يُنظر إليهم على أنهم آلهة لا يخطئون، كما قال كلوب فى خطابه التاريخى الذى أعقب فوزه بجائزة أفضل مدرب فى العالم.. ولكنهم ليسوا كذلك.
لا أخفى إعجابى الشديد بكلوب، ليس بطريقة لعبه بكل تأكيد، فأنا فى النهاية مشاهد أستمتع بالمباريات دون التوغل فى تفاصيلها من خطط لعب أو تغييرات أو مهارات أو تكتيكات، ولكنى معجب بطريقته فى التفكير، التى تظهر مع كل مؤتمر صحفى أو خطاب.
أتذكر جيدًا ما قاله كلوب حول شعوره بالقلق، قال إن القلق الحقيقى ليس نتيجة المباراة المقبلة، فالقلق الحقيقى هو القلق على مستقبل شخص آخر أنت من أحضرته لهذه الحياة.. وهنا كان يقصد أبناءه.
أتذكر جيدًا ما قاله حينما سُئل عن ابتسامته، حتى عندما يخسر.. فأجاب أنه يبتسم بسبب طفله، لأنه مُدرك أن كرة القدم ليست حياة أو موتا، ولهذا يجب ألا تنشر الحقد والكراهية والبؤس.. فكرة القدم، من وجهة نظر كلوب، يجب أن تكون للفرح والإلهام.
أتذكر ما قاله حول ما سماه أعظم انتصار له فى كرة القدم، حيث قال إنه ولد من كارثة الخسارة من برشلونة بثلاثية فى إسبانيا فى مباراة الإياب بدورى أبطال أوروبا، وعندما كان يُحضّر لمباراة العودة، قال للاعبيه: «إن فشلنا، فلنفشل بأجمل طريقة ممكنة».
دروس كلوب وتأملاته فى خطاباته ومؤتمراته الصحفية تستحق التأمل، ولا سيما قوله «إن هذه اللعبة للحالمين»؛ أى لمن يحلمون بمستقبل أفضل. وإن جاز لى العبث بحكمة كلوب، فسأجعل حكمته: «إن هذه الحياة للحالمين».