بقلم - عبد اللطيف المناوي
ما يجرى فى منطقة الشرق الأوسط الآن، من صراعات مرشحة فى أى وقت للانفجار، لايزال على حالته التى لا يمكن وصفها بأنها حرب باردة، كما لا يمكن وصفها بحرب ساخنة واضحة وصريحة.
هناك قطبان يتصارعان فى المنطقة- وليس عليها-: أمريكا من جانب، وإيران من جانب آخر، وكلتاهما تستخدم أوراقها بالوكالة فى هذا الصراع. واشنطن تستخدم إسرائيل، وتشتركان فى وحدة الهدف ووحدة التوجه، وإيران تستخدم حلفاءها فى سوريا ولبنان وفلسطين واليمن لضرب المصالح الأمريكية فى المنطقة، إلا أن مواجهة ساخنة حقيقية بين أمريكا وإيران لم تحدث حتى الآن.
يبدو من جانب آخر أن كلتا القوتين تتجنبان هذه الحرب الساخنة، وتريدانها على نفس حالتها غير الساخنة وغير الباردة، ربما سعت واشنطن إلى تجنب توسيع نطاق الحرب الحالية، وعدم الدخول فى مواجهة مباشرة مع إيران، بل إن مصادر أمريكية قد أعلنت، بشكل صريح، عدم نية واشنطن ضرب أهداف داخل إيران، ردًا على عمليات الحوثيين ضد أهداف أمريكية وغربية فى البحر الأحمر، ولا الضربات فى مناطق تسيطر عليها المجموعات الموالية لإيران، على الحدود بين سوريا والعراق.
وعلى الجانب الآخر تتحاشى طهران أيضًا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، ورغم الضربات التى أحيانًا تشنها واشنطن على أهداف إيرانية فى مناطق نفوذها، حيث تكتفى إيران بالتنديد اللفظى، والإدانة فى بيانات رسمية، وإشارات بأن الضربات تمثل انتهاكًا لسيادة دول عربية، فضلًا عن تهديدات بالرد المباشر إذا ما اعتدت أمريكا على إيران بشكل مباشر، وهو ما قد لا يحدث، أو بمعنى أدق، مؤجل إلى حين.
وتمارس إيران أقصى الضغوط الممكنة على أمريكا عبر الجماعات المسلحة التابعة لها، مع النأى بنفسها عن المسؤولية المباشرة عن الأنشطة التى تقوم بها تلك المجموعات، بهدف تجنب الدخول فى مواجهة مباشرة مع واشنطن، وتل أبيب بالتبعية، ولكنها حتى فى ضرباتها للمصالح الأمريكية فى دول المنطقة أو فى البحر الأحمر، فهى تحافظ على خط لا تتعداه، حتى لا تدفع أمريكا للانتقام بشكل مباشر.
وإذا ما تعدت بعض الجماعات المسلحة التابعة لإيران تلك الخطوط، وتحولت من مجرد الاستفزاز إلى القتل أو الجر إلى المواجهة، فإن طهران سرعان ما تتراجع، وتنبه مجموعات المنتمين إلى ضرورة تجنب تعدى الخطوط المسموح بها.
ما يحدث بين أمريكا وإيران فى المنطقة لعبة غير متفق عليها، لتجنب المواجهات المباشرة، ولكنها فى الوقت نفسه لعبة تطيل أمد الصراع فى المنطقة، وبالتالى هو إنهاك شديد لكثير من دول المنطقة ومقدراتها.