بقلم - عبد اللطيف المناوي
بدأ وجه فرنسا هو الآخر فى التغير. ويبدو أننا لن نرى بعد ذلك أوروبا التى اعتدناها. لسنوات طويلة اعتدنا القول إن الفرنسيين يكونون متمردين حتى صندوق الانتخاب، تغلب عليهم نزعة المحافظة والاستقرار، فتتجه أصواتهم نحو المُجرب والمضمون. لكن هذا السلوك يبدو أنه تغير، ويبدو أن إعلان الكفر بالسياسيين الأقزام وإحساس الخطر الذى زرعه فيهم اليمين المتطرف قد نجح فى تحقيق أثره. ظل اليمين الفرنسى مشاكسًا على مر السنين، بدا للحظات أنه يقترب من حسم الأمر لصالحه، لكن كان السلوك الفرنسى المحافظ حائلًا دون ذلك وخط دفاع أخيرًا. هذه المرة فعلها اليمين، ونرى فرنسا هى الأخرى تدير وجهها وسياستها إلى اليمين.
تصدر حزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف- بقيادة جوردان بارديلا- وحلفاؤه نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة فى فرنسا، حاصدًا أكثر من ٣٤ فى المائة من الأصوات.
ووفقًا لتقديرات أولية لمراكز استطلاع الرأى، قد يصل أقصى اليمين المتطرف إلى الحكم للمرة الأولى فى ظل الجمهورية الخامسة.
وتقدم أقصى اليمين تحالف اليسار أو «الجبهة الشعبية الوطنية» (ما بين ٢٨.٥ و٢٩.١ فى المائة) وكذلك معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون (٢٠.٥ إلى ٢١.٥ فى المائة) الذى حلَّ ثالثًا، وحصل حزب الجمهوريين (اليمينى المحافظ) على ١٠ فى المائة فقط من الأصوات، وفق هذه التقديرات.
وقد ينال التجمع الوطنى غالبية نسبية كبيرة فى الجمعية الوطنية، وربما غالبية مطلقة وفق توقعات ثلاثة مراكز، وسيكون للحزب الذى يتمتع بالأغلبية المطلقة الحق فى تعيين رئيس الوزراء والحكومة- على الرغم من أن ماكرون نفسه قال إنه لن يستقيل من منصبه رئيسًا. وترشح نحو ٤٠٠٠ شخص لهذه الانتخابات المُبكرة، التى ستحدد تشكيلة الجمعية الوطنية، وبناء عليها ستنبثق حكومة تقود البلاد.
وتجرى هذه الانتخابات على جولتين، ولن يتم تحديد معظم مقاعد الجمعية الوطنية، البالغ عددها ٥٧٧ مقعدًا، إلا بعد إجراء جولة الإعادة يوم الأحد المقبل. وشهدت الانتخابات التشريعية مشاركة استثنائية تجاوزت الـ٦٥ فى المائة.
زعيم حزب التجمع الوطنى اليمينى، جوردان بارديلا، يقول إنه يريد أن يكون «رئيسًا للوزراء لجميع الفرنسيين». فى حين أعلن الرئيس الفرنسى ماكرون أنه لن يستقيل من منصبه رئيسًا. زعيمة اليمين الذى يحمل وصف «المتطرف»، مارين لوبن، قالت إن «معسكر ماكرون تم محوه عمليًّا»، وإن «الفرنسيين أظهروا إرادتهم لطى صفحة سبعة أعوام من حكم الازدراء والتآكل للرئيس إيمانويل ماكرون»، داعية الفرنسيين إلى منح حزبها التجمع الوطنى «الغالبية المطلقة». وفيما يبدو فإنه بعد عقود من الإقصاء السياسى ربما يُتاح لأقصى اليمين «المتطرف»، الذى هيمنت عليه عائلة لوبان لأكثر من نصف القرن، فرصة لتشكيل الحكومة.