بقلم - عبد اللطيف المناوي
عندما قرأت عن خبر عملية تسليح المواطنين فى السودان أصابنى الغم توقعًا لمشاهد جديدة لدماء سودانية ستُراق بأيادٍ سودانية، ومن أجل صراع على النفوذ والسلطة، بين طرفين تغلغلت فيهما عناصر تنتمى إلى جماعات الإسلام السياسى. جميعهم لا ينظرون ولا يهتمون بأهل السودان، بل اهتمامهم ينصب على السلطة والنفوذ فقط.
اللافت هنا أن هذا يتركز فى بعض الولايات السودانية التى لاتزال آمنة فى شمال وشرق البلاد، وكأن الأمان بات محرمًا فى السودان. وأُطلق على هذه العملية «المقاومة الشعبية المسلحة»، وتستهدف تسليح المواطنين للدفاع عن مناطقهم خشية امتداد المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع إليها على غرار ما حدث فى مدينة «ود مدنى» بولاية الجزيرة.
المئات من الشبان حملوا أسلحتهم وسط هتافات تصرخ لحث بقية المواطنين على التسليح والتدريب على استخدام الأسلحة النارية للمشاركة فى تأمين مداخل ومخارج المنطقة. وهذا الصراخ يبدو مزيجًا من الخوف واستدعاء مشاعر وحشية.
أن يتبنى الجيش عملية تسليح المواطنين هذا خطأ كبير، ولا يوجد سبب منطقى ووطنى يبرره. حتى ما سيق من أن هذا الإجراء يأتى لمواجهة تقدم قوات الدعم السريع هو تبرير يتجاهل خطورة دفع البلاد إلى حرب أهلية، خاصة إذا ما تبنينا التفسير، الذى أراه صحيحًا، بأن هذه الخطوة يتخذها الجيش لمنع فقدان المزيد من السيطرة على ولايات بدأت تتساقط من تحت سيطرته، وهو ما يعنى اعترافًا بالفشل فى المواجهة، بعد العجز عن حسم المعركة ضد قوات الدعم السريع فى غضون أيام، كما ادعى قادة الجيش فى البداية، بينما مضى نحو تسعة أشهر والأمور تتعثر ميدانيًا وتنظيميًا، بل وبات الجيش مهددًا بفقدان السيطرة على المزيد من الولايات.
باتت العقيدة القتالية لذوى الميول الإسلامية هى السائدة فى السودان، حيث يرى كل الأطراف تقريبًا ضرورة تجييش المواطنين للدفاع عن أفكارهم ومشروعاتهم، بغض النظر عن مدى مناسبتها لجموع الشعب السودانى.
إن ما يتم التجهيز له هو «روشتة» أو «وصفة» لإشعال حرب أهلية، ووضع المواطنين فى مواجهة إخوانهم.
وفى حديث مع صديق سودانى تحدث بخوف واضح عن دفع السودان إلى حرب أهلية شبيهة بما حدث فى رواندا، التى راح ضحيتها ما يقرب من مليون مواطن رواندى.
ما أريد أن أقوله أن الجيوش النظامية القوية ترفض الزج بالناس بطريقة عشوائية فى حروبها القتالية، وترفض السماح بسلاح خارج سيطرة الدولة، وهو الأمر الذى يؤدى حتمًا إلى نتائج سلبية، وقوات الدعم السريع نموذج غير بعيد.
إن إعلان قائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، عن تسليح الجيش للمقاومة الشعبية، وعدم منعها من جلب أى سلاح، هو دليل على عمق التدهور وتعقد الأزمة التى يمر بها السودان.