بقلم - عبد اللطيف المناوي
أمس أعلن الجيش السودانى سقوط الرئيس عمر البشير، والتحفظ عليه في مكان آمن، وتعطيل العمل بالدستور، وبدء فترة انتقالية تستمر لعامين، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد. هذه الإجراءات لم ترض المعارضة في الشارع، لتعلن من جانبها أنها مستمرة في الاحتجاج حتى تلبية مطالبها.
لم تتح لى- حتى الآن- فرصة الاقتراب من الحراك السياسى الحالى في السودان على الأرض، ولكنى أشاهد تقريبًا على شاشات الفضائيات مشهدًا قريب الشبه مما شاهدته في نهاية يونيو 1989، عندما قام البشير نفسه بانقلاب على السلطة التي كانت حاكمة قبله، بسبب الصراعات والمشكلات التي نشأت بين الأحزاب والحركات السياسية.
وقتها وصلت إلى الخرطوم بعد أقل من 36 ساعة فقط من الانقلاب. توجهت من المطار في عربات الجيش ليستقبلنا القائد عمر البشير نفسه، وقد بُث الاستقبال تليفزيونيًا باعتبارنا أول وفد إعلامى من مصر يصل إلى السودان.
شاهدت وجوه السودانيين وقتها والرجل يتلو تصريحاته، ويظهر في لقاءاته. شاهدت وجوهًا تحمل نفس التعبيرات التي تحملها الوجوه الآن من قلق وتوتر وخوف من المصير المجهول.
ربما أرى الآن إصرارًا على تفادى التجربة التي عاش بسببها الشعب السودانى في أزمات طوال الـ30 عامًا الماضية. ربما أرى الآن وجوهًا في ذاكرتها ما حدث في السابق، بعد أن نجح نظام البشير في البقاء ثلاثة عقود معتمدًا على استخدام كافة الوسائل الأمنية الصارمة، والتضييق على الممارسة السياسية وإضعاف وإنهاك القوى السياسية في المجتمع، لتعجيزه عن القيام بأى رد فعل.
لم يدرك البشير أن المعادلة تغيرت من حوله، حيث بدا هذا من بيان عوض بن عوف الذي أشار إلى إصرار البشير على نفس الممارسات القديمة، ومحاولته الالتفاف على الواقع وتحقيق هدفه بالبقاء حتى لو كان على حساب شق صف الجيش ووقوع آلاف من القتلى.
المشهد حاليًا نموذجى لشكل الانقلاب كما عهده الكثير من الدول، من بينها السودان ذاته، لكن الأمر المشكوك فيه أن يكون هو المشهد الأخير فيما يشهده السودان منذ عدة أسابيع.
الجميع يخشى من وقوع السودان في حالة فوضى في حالة سقوط البشير دون بديل، وهذا اتضح من الموقف العالمى والإقليمى من الاحتجاجات، ومنها مصر التي خشيت تحول الجار الجنوبى إلى دولة منقسمة ممزقة، تتحول إلى عبء إضافى على الدولة.
لكنى أثق في الشعب السودانى، وأنا أرى وجوهه التي تعتريها ملامح التعلم من أخطاء الماضى.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع