بقلم - عبد اللطيف المناوي
المثير للانتباه ذلك الاهتمام الجمعى بموضوع هجرة الأطباء. ليس الأمر غريبًا منذ زمن، وكثيرٌ منا اعتاد أن يسمع عن طبيب فى دائرتنا الصغيرة سافر لاستكمال تعليمه واستقر فى الخارج. ومحظوظ منا من كان يستطيع أن يفاخر بقرابته أو معرفته بأحد هؤلاء الأطباء المهاجرين. واعتاد البعض- لإظهار أهمية من يعرفون- تأكيد أنه من بين «أحسن عشرة أطباء فى العالم فى تخصصه»، ولم أفهم يوما لماذا عشرة بالذات؟، وكيف وصلوا إلى هذا التقييم «الدقيق». الجديد الآن أن هذا الموضوع لم يعد موضوعا للتفاخر بين الأشخاص، لكنه تحول إلى ظاهرة، بل إلى مشكلة يتناولها الناس كأزمة وليس كمادة دردشة، وذلك بعد تسارع وتيرة الهجرة بدرجة كبيرة. ووصل الأمر إلى الإعلام والبرلمان. الأمر هنا أن الموضوع لم يعد مستوى هجرة مقبولا، بل تخطى الوضع إلى مفهوم النزيف. نزيف الأدمغة والكفاءات الذى يؤثرا قطعا على حاجة مصر لجهد أبنائها ووجودهم داخل نسيج المجتمع؛ ليفيدوا، لكن بالضرورة يجب أن نعلم كيف نحافظ عليهم.
ليس هناك بيانات كافية يمكن بها معرفة حجم النزيف المتحقق من ذلك الهروب الجماعى للأطباء؛ وبالتالى معرفة حساب حجم الخسارة. لكن هناك قاعدة تقول إن أى هجرة لمرتفعى المهارات تتعدى العشرة فى المائة من أعدادهم الكلية فى أى بلد من البلدان تعتبر نزيفا للأدمغة. وبالرغم من نقص البيانات الدقيقة حول العدد الدقيق للأطباء المصريين الذين يعملون بالفعل، وليس فقط المقيدين فى النقابة، فإننا يمكن أن نعتبر أن هجرة الأطباء المصريين تتعدّى هذه النسبة بكثير، وأن كثيرا من المواطنين فى مناطق كثيرة فى مصر، خاصة الريفية منها، بدون الخدمات الطبية التى يحتاجونها.
ما هو الحل؟.. هل على الدولة أن تقيِّد حرية الأطباء فى الهجرة كما اقترح أخيرا أحد نواب الشعب؟.. لقد أثار هذا الاقتراح غضبًا ورفضًا منطقيًا، حتى لو لم يكن رضا عامًّا. خروج المتحدث باسم نقابة الأطباء ليعلن معارضته لهذا المقترح كان تصرفا حكيما.
يظل السؤال.. ماذا نفعل؟.. وأنا هنا أطرح الموضوع للنقاش، والبحث عن أفكار قد تساعد على الخروج من هذا المأزق، بل الأزمة. بالتأكيد الملامح العامة واضحة، لعل أهمها العمل على ضرورة تحسين بيئة العمل، بما فى ذلك الأجور، لحث الأطباء على الاستمرار فى العمل فى مصر، هذا هو الحل العاقل. ينبغى أن يكون من أولويات الإنفاق العام. قد يكون من المناسب أيضا إيجاد صيغة تشارك فيها الدولة المستقبلة للأطباء المصريين من أجل تطوير التعليم الطبى وزيادة عدد الخريجين وتوفير البيئة المناسبة لتكوين الأطباء الجدد. وأيضا المشاركة فى تطوير الخدمات الطبية. ويمكن ذلك أن يتخطى التفاوض الثنائى إلى التفاوض متعدد الأطراف بين مصر والدول المستفيدة.
قد تصلح هذه الأفكار أو لا تصلح، لكن المهم المشاركة فى التفكير لإنقاذ الوطن من النزيف المستمر.