بقلم - عبد اللطيف المناوي
تلك الضجة المثارة فى مصر الآن بصوت أعلى مما تستحق حول موضوع تصوير جنازات المشاهير ليست إلا عرَضًا لما تعانى منه مهنة الصحافة فى مصر فى هذه الأثناء. وسيتفاجأ كثيرون عندما أقر أن الجزء الأكبر من الحالة التى تعانى منها صناعة الإعلام فى مصر، ومنها الصحافة، هى أزمة مهنية وليست سياسية.
مع تغول السوشيال ميديا وسيطرتها على المشهد مما أعطى انطباعًا بأنه «راحت على الصحافة والصحفيين» كان الحل السهل هو أن تنساق الصحافة وراء ثقافة السوشيال ميديا، وتكون «اللا قواعد» هى الحاكمة هنا إلا «الترافيك»، الذى تتم ترجمته إلى دخل قد يسهم ولو بقليل من الدولارات فى حل أزمات المؤسسات الصحفية والمواقع.
فى ظل سيادة وسطوة «الترافيك» ومع التسليم شبه الكامل لها، إلا مَن رحم ربى من قِبَل بعض الكيانات الصحفية والإعلامية بشكل عام، تراجعت أى أهمية لإعداد كوادر صحفية محترفة. وأصبح تقييم مَن يحمل صفة صحفى يُقاس بقدرته على إغراء المطالعين للنقر على رابط الخبر أو الصورة. وكما نتابع سيطرت نوعية الموضوعات التى تثير الفضول وتلبى رغبات التلصص وراء الأبواب المغلقة ومتابعة مشاعر الحزن وحكايات الجريمة والفضائح والخيانة ومثلها من الموضوعات. أصبح هذا هو التوجه، وبات هو المساحة التى يتم من خلالها ممارسة «الأفعال» التى باتت تُنسب إلى الصحافة. لذلك فإن مسألة تصوير الجنازات، والعزاءات، بل محاولة تصوير الجثامين فى بعض المواقف المتطرفة، ما هى إلا الوجه الآخر لموضوعات الجريمة الشاذة وزنى المحارم والتحرش الفج والفضائح الحقيقية منها والمفتعلة. وغابت عن المهنة أشكال أخرى كان يمكن أن تكون شعبية لو أنها لقيت اهتمامًا.
قبل الاستطراد فى ملامح الأزمة ومناقشة تصورات حلولها، من حق الزملاء المصورين الصحفيين والصحفيين الإشارة فى موضوع الجنازات على وجه التحديد إلى أن العدد الأكبر من أولئك المتزاحمين بكاميراتهم وتليفوناتهم ليسوا من الصحفيين، ولا يعملون فى مؤسسات معروفة، لكن معظمهم يعملون فى مواقع مجهولة أو صفحات انتشرت فى وسائل التواصل أهدافها تحقيق حفنة من الدولارات بتحقيق الترافيك. وبعضهم ضحايا لمؤسساتهم، التى تجبرهم على الإتيان بأعداد من اللاهثين وراء ما يثير شهيتهم «للنقر» على الرابط.
«ما اجتمعت عليه الجماعة الصحفية الدولية هو احترام الخصوصية، فإذا كان محظورًا على الصحفى استضافة شخص مقيد الحرية أو طفل غير واعٍ أو مريض غير قادر على التحكم، فالأَوْلَى بنا احترام قدسية الموت وعدم السعى لتصوير إنسان متوفى لا يملك من أمره شيئًا»، هذه قاعدة قد يفيد استحضارها أثناء النقاش القادم فى نقابة الصحفيين حول هذه القضية. لكن ما لا أتمنى أن يحدث أن يقتصر النقاش عند هذه القضية، ونتناسى القضية الأهم المرتبطة بالمهنة ومستقبلها ومستقبل العاملين فيها. اجعلوا قضية «الجنازات» منطلقًا لإنقاذ مهنة من نهاية لا نتمناها