بقلم - عبد اللطيف المناوي
من المبكر جدًا أن نتفاءل بجموح، ومن المبكر جدًا أن نهاجم أو نطلق أحكامًا عما حدث منذ يومين من حركات تصحيحية خاصة بالحالة الاقتصادية فى مصر.
ربما كان ذلك هو المطلوب بالتحديد، وأيًا كان التوقيت، فالأفضل أنه حدث، وأن الخطوات الحاسمة قد اتخذت. كنا فى الحقيقة فى حاجة كبيرة لتحقيق استقرار السياسات، مع الحفاظ على المرونة فى مواجهة الصدمات الخارجية والأزمات التى تواجه الاقتصاد المصرى.
لقد حدثت الحركات بعد فترة من استكشاف الأسعار من خلال العرض والطلب، وقامت البنوك بشراء وبيع كميات كبيرة من العملات الأجنبية فى السوق، ورفعت أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس، وأصدرت شهادات ادخار مرتفعة العائد لامتصاص السيولة.
كل هذا جيد، ويوحى بأن يومًا جديدًا، أو فجرًا جديدًا يلوح فى الأفق، ولكن هناك بعض الأسئلة المهمة التى يجب أن تُسأل حاليًا: فما مدى السرعة التى يمكننا بها الانتقال إلى سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة التى من شأنها أن تجعل تكاليف الاقتراض تحت السيطرة بالنسبة للحكومة والشركات على حد سواء؟
لقد قدم صندوق النقد الدولى لمصر خطوة داعمة من خلال حزمة تمويل قد تصل قيمتها إلى 9.2 مليار دولار، بما فى ذلك 8 مليارات دولار من التسهيلات التمويلية الممتدة، ومليار إلى 1.2 مليار دولار أخرى فى صندوق الاستدامة البيئية التابع للصندوق، ولاتزال المحادثات بشأن هذا التمويل جارية.
هذا التطور الإيجابى لابد أن نستثمره جيدًا، مثلما لابد أن نستثمر ما حدث فى صفقة رأس الحكمة، ومن بعدها حركة السيطرة على السوق. وسيراقب صندوق النقد الدولى ليتأكد من انتقالنا إلى نظام سعر صرف مرن، وتشديد السياسات النقدية والمالية، ليؤكد أننا على المسار الصحيح.
جيد جدًا أن الجميع، سواء كان فى الحكومة أو خارجها، مدرك أننا بدأنا المسار الصحيح.. جيد جدًا أن جميعهم يؤكدون التزامهم بالخوض فى هذا المسار أيًا كانت مشكلاته القريبة.. جيد أيضًا أن يبحث المسؤولون عن اجتماعات مع هيئات اقتصادية عربية وعالمية للحديث عن الاتجاه الجديد، أو المسار الجديد.
جيد جدًا أن تُفتح شهية المستثمر الأجنبى لمصر، وهذا وضح فى صفقة رأس الحكمة، وفى الأخبار عن صفقات أخرى.. جيد أن نسمع يوميًا عن شهادات من جهات ومؤسسات دولية عن استقرار الاقتصاد المصرى، وأن التحديات التى يواجهها فى طريقها للحل.
يظل التحدى الرئيسى المقبل هو اختبار الثقة. مدى قدرة الاقتصاد المصرى على استعادة ثقة المستثمر الأجنبى، وقبله المصرى، وقبلهم جميعًا المواطن المصرى البسيط.
كل هذا جيد، ولكنه يظل فى النهاية مرتبطًا بالقدرة على تحمل الصدمات، والرغبة المستمرة والأكيدة فى الخوض بمسار الإصلاح الرشيد والمقبول فى الداخل والخارج، حتى نستقبل يومنا الجديد بمنتهى الصلابة وبمنتهى الإيمان أننا نستطيع.