بقلم - عبد اللطيف المناوي
مازالت أماكن سياحية عديدة تفتقر إلى عناصر تقديم خدمة سياحية تليق باسم مصر. واعتقادى أن ما ينقصنا فى هذا المجال ليس وجود قوانين أو حتى تعقيد الإجراءات، وليس أيضا عدم قدرة المصريين على القيام بالوظائف الخدمية، ولكن ما ينقصنا فى حالات كثيرة، بل معظم الحالات، هو وجود الخيال، ثم القدرة على تنفيذ هذا الخيال بأدوات إدارة خلاقة وقائدة.
بمصطلحات دراسات تنفيذ الأعمال، فإن تحديد «الرؤية» ووضع خطوات ترجمة تلك الرؤية، أو الخيال، إلى واقع هو طريق النجاح. وسأطبق ما أقصد على نموذج لتوضيحه.
كثير منا قضوا أياما فى الفيوم، تلك المدينة التى تمتلك مقومات سياحية أعلى كثيرًا مما تحقق لها الآن، كما تبدو أيضا فى مظهر أقل كثيرًا مما تستحق. وأظن أن معظم من ذهبوا إلى الفيوم عانوا من صعوبة إيجاد مطعم مناسب يمتلك المقومات الأساسية فى النظافة أولًا، ثم تقديم أكلات محلية وشعبية تليق بمدينة تستهدف سائحين من الداخل والخارج. ولاحظوا هنا أننى لم أتحدث عن أسعار، والتى حتى إن اختلفت من مكان إلى مكان، فتبقى المقومات الأساسية من نظافة ومأكولات شهية صحية، هى الأساس.
قضيت الأيام الأخيرة فى الفيوم، وطلبت من ابنتى التى تقضى هى الأخرى إجازة مع مجموعة من أصدقائها أن ترشح لى ولزوجتى مطعمًا خارج الفندق. وأنا أثق فى أحكام جيل ابنتى الذى احتك بثقافات أخرى ولديه الرغبة الدائمة فى الاكتشاف. ودون تردد رشحت لنا مطعمًا فى قرية تونس يطل على بحيرة قارون.
المطعم على ربوة، أسفله قطعة أرض مزروعة بالخضروات الطبيعية (أورجانيك)، ويطل على ضفاف البحيرة، لاحظت طبيعة مرتادى المطعم، سفير أوروبى صديق لى وزوجته، شباب من جيل ابنتى، عائلات تبدو مثلنا تبحث عن مطعم مناسب فى ظل ندرة ما يناسب، وفقا للمواصفات السابقة.
كنت قد سمعت من أحد الأصدقاء فى الفيوم عن سيدة هولندية قررت أن تعيش فى قرية تونس، وافتتحت مطعما هناك. ربطت بين المكان وما سمعت من الصديق. نظرت حولى فوجدت كل العاملين مصريين أبًا عن جد. ولكنى لمحت بعد قليل سيدة ذات ملامح أوروبية واضحة تقود كل الفريق من المصريين. سألت أحد العاملين فأكد لى أنها (مريم) الهولندية التى تعيش فى مصر منذ ثلاثين عامًا، وافتتحت هذا المطعم مع شريك سويسرى، وأصبح هو المطعم الأشهر ليس بسبب ملكيته لأجانب، ولكن بسبب إدارته وسمعته التى اكتسبها كمطعم يمتلك مقومات صحية ونظيفة.
مريم تتحرك فى كل مكان، تأخذ طلبات مرتادى المطعم بنفسها، تتحرك بين رجالها المصريين من فريقها. تقف داخل المطبخ المفتوح لتنفّذ بنفسها بعض مراحل الطهى، كما تشرف على تنفيذ الطلبات. تفعل ذلك دون استعراض، ولكن برؤية ومشاركة حقيقية.
لم تعلم ابنتى ولا نحن قبل أن نذهب أن صاحبة المطعم غير مصرية، لكن ذهبنا لسمعته.
تلك الهولندية التى هى فى قرية تونس بالفيوم ربما تكون أكثر حرصًا على السياحة فى مصر من كثيرين، رغم أن غاية مريم وغاية الآخرين تبقى فى النهاية المكسب المادى، ولكن شتان الفارق بين من يعمل بإخلاص وقواعد وبين من يتخذ «الفهلوة» للمكسب السريع أسلوبا ونمطًا فى العمل.