بقلم - عبد اللطيف المناوي
لا يساورنى أي شك في أن مصر وتركيا أهم بلدين مركزيين في تاريخ الشرق الأوسط، وأن مسألة الخلاف بينهما من بعد 2013 أضعف المنطقة كثيرًا، خصوصًا من جانب التحالفات السياسية وأثرها في قوة المنطقة وتماسكها أمام التحديات الخارجية والداخلية من جانب، ومن جانب آخر أمام الحالة الاقتصادية وتقلباتها في إطار وضع عالمى غير مستقر.
ولما زُفت أنباء التواصل بين البلدين من خلال قنوات دبلوماسية خاصة، وما انتهى إليه هذا التواصل إلى عودة العلاقات، ومن ثَمَّ زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لمصر، أمس، تأكدت أن وضعًا مائلًا في منطقة الشرق الأوسط سيكون في طريقه للعودة إلى طبيعته، مع استئناف العلاقات بين القاهرة وأنقرة.
في تقديرى للموقف، الذي بنيته عبر معلومات شبه أكيدة، فإن تركيا ربما تكون قد أدركت خطأها في تقييم الوضع في مصر بعد ثورة يونيو، حتى إنهم ربما تألموا من خسارتهم للقاهرة كحليف استراتيجى مهم، يمثل محورًا سياسيًّا واقتصاديًّا بالغ القوة، وأن إدارة الرئيس أردوغان خلال الفترة الأخيرة سعت لبناء جدار جديد للثقة بين بلاده ومصر، وأسهمت في ذلك أيضًا حكمة التعامل من الجانب المصرى، منذ بداية الأزمة، ومنطقية الموقف وصلابته، الأمر الذي دفع إلى إعادة تقييم الموقف والبحث عن مناطق التقاء من جديد، وهو ما قد حدث.
لقد جمعنى لقاء سابق مع السفير التركى في القاهرة، صالح موتلو شين، وفى حديث لى معه أدركت ما لهذا الرجل من دور في عودة العلاقات، فالرجل يتمتع بمعرفة كبيرة عن تفاصيل التاريخ وثقافة وآلية عمل وأسلوب تفكير المؤسسات السياسية والمؤثرة في تركيا، وأتصور كذلك أنه كان إحدى القنوات التي فُتحت بين البلدين في فترة إعادة التقييم.
في الدردشة السريعة، تحدث السفير التركى عن العديد من الأمور التي كانت محل خلاف بين البلدين، ومنها على سبيل المثال التواجد التركى في ليبيا، والذى رد عليه الرئيس السيسى بمقولته الشهيرة: «الخط الأحمر»، حيث أكد السفير أن الموقف التركى في ليبيا لم يكن يومًا يستهدف مصر.
كما توقع السفير أن يخرج اللقاء بين الزعيمين- اللذين يرى أنهما يُكِنّان كل احترام وتقدير لبعضهما البعض- بكثير من النجاحات والتفاهمات السياسية والاقتصادية. ولا شك أن مسألة فلسطين والحرب على غزة ستكون أولوية في النقاش، ما قد ينتج عنه موقف مهم يسهم في إنهاء المعاناة الإنسانية لأهل القطاع، وكذلك من المتوقع أن يتم الإعلان عن بدء تعاون استراتيجى بين البلدين من خلال مجلس أو كيان يحظى بدعم وعناية الرئيسين.
من جديد أقول إن التباعد بين بلدين بحجمى مصر وتركيا في هذه المرحلة الحرجة من حياة المنطقة أمر لم يكن من المنتظر استمراره، وأن مستقبل تحالفات المنطقة سيشهد تغيرًا واضحًا إذا ما سعى البلدان إلى ذلك. وأظنهما سيسعيان.