بقلم - عبد اللطيف المناوي
حدثت واقعة المنصورة.. أبكتنا بقدر ألمها، وبقدر قوة لطمتها على وجوهنا جميعًا، لا أستثنى أحدًا.فتاة دفعت حياتها ثمنًا لنزق شاب، دفعت حياتها ثمنًا لتهور غير مبرر، وغير مفهوم، وغير واضحة أسبابه. هذا التهور الذى صار كالآفة فى المجتمع، يمارسه الكثيرون بغير عقل أو وعى بحجم ما سيترتب عليه من مأساة.هذا التهور أيضًا أصاب الكثيرين ممن يطلق عليهم اسم «رجال دين»، وهم فى زماننا تضاعفوا وتكاثروا بشكل غريب. أصاب التهور هؤلاء، فصاروا يتحدثون فى الميكروفونات وأمام شاشات الموبايل، كما يأكلون ويشربون. يقولون آراءهم فى كل صغيرة وكبيرة، ويلقون باللوم دائمًا على الطرف الأضعف، يختصون المجنى عليهم بالانتقاد، وبالسخرية أحيانًا.
فى واقعة المنصورة خرجت علينا الكثير من الآراء التى تنتقد ملابس الفتاة (الراحلة)، بل وظهر من يدعو الآباء إلى عدم السماح لبناتهم بالخروج إلا بارتداء ما سماه أحد الشيوخ «القفة»! المواقع المتأسلمة نشرت صورة الفتاة الضحية، رحمها الله، بعد أن غطت شعرها!
إلى هذا الحد وصل الاستخفاف بالعقول، إلى هذا الحد يعيد هؤلاء سيرة الجاهلية، فلا يسألون الموءودة بأى ذنب قتلت. هل كان ذنبها فقط أنها ترتدى ملابس عادية؟ هؤلاء من صرخنا فى وجوههم من قبل راغبين فى تجديد الخطاب الدينى، هم يبيحون أى شىء حتى القتل لأن الفتاة لم ترتدِ «القفة» عند خروجها. هؤلاء ألقوا باللوم على الفتيات فى وقائع التحرش، بسبب ملابسهن، هؤلاء يعيدون الكرة من جديد فى واقعة المنصورة، وربما سوف يكررون هذه الآراء فى المستقبل إن تُركوا فى هذا الحال.
هؤلاء خرجوا عن سيطرة الأزهر، الذى أصدر بيانًا، أمس، يحرم الانتقاص من أخلاق المحجبة أو غير المحجبة، واصفًا إياه بالأمر الذى يحرمه الدين ويرفضه أصحاب الفِطرة السليمة، مؤكدًا أن اتخاذه ذريعة للاعتداء عليها جريمة كبرى ومنكرة.
الأزهر فى بيانه هذا يحاول أن يعيد الأمور إلى نصابها العقلى والمنطقى، يحاول أن يبرز الوجه المتسامح للدين، وهو بالمناسبة لا يحتاج إلى إبراز، فقط يحتاج إلى عقل سليم، وفطرة إنسانية.
الأزهر ببيانه وكأنه يذكرنا بمصر التى نعرفها جيدًا قبل أن تهاجر إليها الأفكار الشاذة والمتطرفة، مصر التى رأيناها بالأبيض والأسود فى الأفلام والصور القديمة، عندما كانت أكثر جمالًا وبهجة وتسامحًا ورقيًا. عندما كان الاختلاف يُحل بالفكرة فى مواجهة الفكرة، والكلمة فى مواجهة الكلمة. عندما كانت الحالة الثقافية أكثر عمقًا وانفتاحًا وتسامحًا.
عندما لم يكن المظهر الدينى هو الحكم على سلوك البشر والعباد، وإنما كانت المعاملة هى الأساس. عندما كان يعيش فى مصر حسن ومرقص وكوهين فى سلام وقبول.
نريد مصر كما كانت مثالًا للتحضر والاحترام والعقل، وليس كما أراد البعض لها فاقدة كل هذا. مصر التى فى خاطرنا جميعًا.