بقلم -عبد اللطيف المناوي
لو أن الإعلان عن أن إسرائيل وإندونيسيا توصلتا إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما كان فى وقت مختلف لما كان الموضوع يستحق التوقف عنده كثيرًا خاصة فى الأجواء التى كانت سائدة قبل العدوان على غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر. فقد كانت الأجواء تسودها موجة تطبيع عربى بين تطبيع تم وآخر فى الطريق. لكن الأجواء الآن مختلفة؛ لذلك ارتفعت علامات الدهشة، أو بعضها، عند قراءة خبر تطبيع أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، 275 مليون نسمة حسب إحصاء 2022، فى الوقت الذى ما زالت تسيل فيه دماء الفلسطينيين كل يوم.
إذا عُرف السبب قد تتراجع بعض علامات الدهشة وتحل محلها صدمة فهم الأمر الواقع، وحقيقة أن المصالح عندما تحضر تتراجع ادعاءات القيم والمبادئ. ويبقى السؤال: إن كان ذلك مقبولًا أم مرفوضًا أم محل تفهم؟!.
تبذلت إندونيسيا منذ فترة طويلة جهودًا للانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية The Organization for Economic Cooperation and Development - OECD)، التى أنشئت عام 1948، كمنطمة أوروبية للمساعدة فى إدارة «خطة مارشال» لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وفى عام 1961 جرى توسيع العضوية لتشمل الدول غير الأوروبية. تضم حتى الآن 38 دولة معظمها أوروبية إضافة إلى أمريكا واليابان وأستراليا وإسرائيل وتركيا. والمنظمة أقرب إلى تجمع للأقوياء اقتصاديًا للتعاون وتبادل الخبرات.
من شروط الموافقة على انضمام عضو جديد أن تكون للدولة علاقات دبلوماسية مع جميع أعضاء المنظمة قبل أى قرار بقبولها، ويتطلب أيضًا موافقة بالإجماع من قبل جميع الدول الأعضاء، بما فى ذلك إسرائيل.
تقول الأنباء التى ترددت إنه عقب ثلاثة أشهر من المحادثات السرية، توصلت إسرائيل وإندونيسيا، بالتعاون مع المنظمة، إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين الدولتين كجزء من الجهود المبذولة لتسهيل انضمام إندونيسيا إلى المنظمة. محاولات إقامة علاقات بين البلدين ليست حديثة، لكنها كانت دائمًا تواجه معارضة داخلية من الرأى العام الإندونيسى. بدأت محاولات إقامة العلاقات بين البلدين بعد وقت قصير على إنشاء اسرائيل، لكنها ظلَّت محدودة للغاية واقتصرت على التعاون فى مجال التسليح والتدريب والتعاون الأمنى فى مراحل معينة، وبعض أشكال التبادل الاقتصادى.
منذ وقت طويل، سعت إسرائيل للحصول على صك التطبيع الرسمى مع إندونيسيا، التى تمسَّكت فى المقابل بربط أى جهود للتطبيع الرسمى بتجاوب إسرائيل مع المقررات الدولية التى تقضى بإقامة دولة فلسطينية. لكن هذه الممانعة الإندونيسية لم تُثنِ إسرائيل عن المحاولة مرارًا وتكرارًا، لقناعتها بالفوائد التى يمكن أن تُحصِّلها من الرمزية التى تحملها إندونيسيا بوصفها أكبر موطن للمسلمين فى العالم.
إندونيسيا المعروفة بمواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ستكون مطالبة بتعديل موقفها التقليدى تجاه تل أبيب، ومواجهة التأييد الساحق من قِبَل السكان الإندونيسيين، ومواقف الأحزاب السياسية نافذة السلطة فى البرلمان.إذا كانت المصلحة مفهومة، فماذا عن التوقيت؟!.