بقلم - عبد اللطيف المناوي
فى الكلمة التى ألقاها الرئيس الصينى شى جين بينج خلال المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس يناير الماضى، أشار إلى التوجهات الدبلوماسية لبلاده، قائلا: «ينبغى أن نسير مع اتجاه التاريخ، ونعمل على بناء نظام دولى مستقر، ونؤيد القيم المشتركة للإنسانية ونبنى مجتمعا يكون فيه مستقبل مشترك للجنس البشرى.. ينبغى أن نفضل الحوار على المواجهة، والإشراك والتضمين على الاستبعاد، وأن نقف فى وجه كل أشكال الأحادية والحمائية الاقتصادية والهيمنة وسياسة القوة». هذه صورة الصين الجديدة التى تريد لها أن تنتشر.
ملامح لدولة، رغم كونها من القوى العظمى القادمة، إلا أنها تحرص أن تصنع لنفسها موقعاً إيجابيا فى المشهد العالمى. تسعى الدبلوماسية الصينية إلى التأكيد على تفضيل بكين للحلول السلمية على الصراعات. كما أن أساس الرسالة التى يتضمنها الخطاب الدبلوماسى الصينى فى الكثير من أنحاء العالم هو أن الصين تعتبر شريكا وندا ليس له تاريخ من الاستعمار والاستغلال، بعكس الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغربية.
هذا الاهتمام الصينى بتأصيل هذه الصورة انعكس مؤخراً فى أحد المؤشرات المهمة لقياس قوة الحضور الدبلوماسى لمختلف الدول وهو مؤشر الدبلوماسية العالمية للعام الحالى. وقد تفوقت الصين على أمريكا بفارق ضئيل لتصبح أضخم قوة دبلوماسية فى العالم فى الوقت الراهن، وفق تقرير المؤشر، ورغم أن الفارق بين الدولتين ضئيل، كما يشير التقرير الصادر عن معهد لوى (Lowy)، وهو مؤسسة بحثية مستقلة تتخذ من مدينة سيدنى مقرا لها، فإنه يدلل على المساعى التى تبذلها بكين لتوسيع رقعة نفوذها الدولى.
البلدان لديهما أكبر عدد سفارات وبعثات دبلوماسية فى العالم، وهذا يعكس حجم البلدين وسعى كل منهما لكى تصبح القوة العظمى، فى حقبة تتزايد فيها حدة التوترات الناجمة عن المنافسة الجيوسياسية بينهما.
والملاحظ أن الصين لا تسعى للدخول فى تحالفات تقليدية، بل تفضل «شراكات»، من وجهة نظرها، الهدف منها «التنسيق» والدعم المتبادل للمصالح الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، وهو ما يمنحها هامشا للمناورة ويسمح بتغيير طبيعة العلاقات بينها وبين الدول الأخرى مستقبلا.
وتفوقت الصين دبلوماسيا على الولايات المتحدة، بحسب التقرير، فى إفريقيا والشرق الأوسط وجزر الباسيفيك وآسيا الوسطى، فى حين احتفظت الولايات المتحدة بالصدارة فى أوروبا وأمريكا الشمالية والوسطى وجنوب آسيا، وتعادلت الدولتان فى الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية. ويعتمد المؤشر فى تصنيفه للقوة الدبلوماسية لنحو 66 دولة على عدد وحجم البعثات الدبلوماسية لكل منها فى مختلف أنحاء العالم.
الصين مستعدة للعمل مع أى دولة طالما أن هناك فائدة مشتركة يمكن تحقيقها، ويتجلى ذلك من القائمة الطويلة للبلدان التى تربطها بها شراكة. فالصين تتحاور مع إيران وإسرائيل والقادة الفلسطينيين، مع روسيا ومع أوكرانيا، مع السعودية وجماعة الحوثيين.
يبدو أنها حقبة جديدة لدور صينى متنام.