بقلم - عبد اللطيف المناوي
الإعلام الحكومىّ، الذى كنت أجاهد لكى يكونَ إعلامَ دولةٍ بمفهوم الملكية العامة، كان هدفاً لكل القوى الفاعلة فى الأزمة. الجميعُ كان يعمل من أجل السيطرة عليه. هذا الأمر جعلنى قادراً على رؤية ما يحدث فى تلك الفترة المهمة، فقد كنت كمَنْ سكن مركز جسد تتنازع أجزاؤه السيطرة عليه فى لُعبة أو معركة، فقُدِّر لى أن أرى جزءاً مهماً من تفاصيل هذه اللعبة، أو تلك المعركة.
أسئلة كثيرة مطروحة: ما طبيعة التحالفات بين القوى السياسية الفاعلة فى الحكم فى مصر؟. كيف أثَّر الصراع داخل جسد الدولة بين معسكر توريث جمال، والمعسكر المعارض للتوريث داخل الدولة أيضاً؟ كيف أثَّر ذلك الصراع فى حسم الأمور، ودفعها فى الاتجاه الذى اتخذته؟ ما خريطة القوى السياسية داخل النظام؟ ومتى حسم كل فريق خياراته؟ ما سرُّ تأخر مبارك دائماً فى الحديث إلى الناس؟ ولماذا عدَّل خطابه الأول؟ ومَن أفسد عليه خطابه الأخير؟. ولِمَ لمْ يتنحَّ إلا وهو منفرد فى شرم الشيخ، بدون زوجته، أو ابنه، أو أى من رجالاته؟.
كاد مبارك ينجو من الإطاحة به بعد خطابه فى أول فبراير، كسب تعاطف الناس بشكلٍ فاجأ حتى بعض القوى داخل النظام، وفى اليوم التالى، سُفكتْ دماءٌ على أرض التحرير بسبب المعركة بين أنصار الرئيس والمعتصمين فى التحرير، كانت هذه المعركة التى اصطُلحَ على تسميتها إعلامياً «معركة الجمل» هى الإعلان الحقيقى عن نهاية حكم مبارك، حتى لو تأخر تسعة أيام بعد ذلك، هذه المعركة بدأ التخطيط لها بعد ساعات من الخطاب، وحاول الجميع استخدام التليفزيون الوطنى فيها، وكانت هذه معركة أخرى.
منذ اللحظة الأولى للأحداث، كنتُ نقطة الاتصال الرئيسة فى الإعلام، وكان علىَّ فى أوقات عدة اتخاذُ قرارات حاسمة فى إدارة الصراع وقتها، من بينها رغبةُ معسكر الرئاسة فى الأيام الأولى فى دعم وزير الداخلية حبيب العادلى ليستمر فى منصبه، وهو الأمر الذى كان يمكن أن يزيد الأمور تعقيداً، ورأيت- بصفتى- إعاقة هذا الأمر، وكذلك عدم السماح لمعسكر الرئاسة بحجب إذاعة بيانات الجيش، وهو الأمر الذى لو كان قد حدث لدفع بصدام لا يعرف أحد مداه.
شهدتُ مقدماتِ هذه الأحداث، الإعدادَ لها، المعلومات التى توفرتْ لأجهزة الدولة عنها، وشهدتُ كيف أدارت الدولة المصرية أكبر أزمة فى تاريخها، وكيف تعامل مديرو الأزمة فى القيادة المصرية مع الدولة بالتهوين من شأن ما يجرى، سواء أكان ذلك من مظاهرات 25 يناير، أم من المشاركين فيها، وكيف أثرت الثقةُ الزائدة فى قوة النظام ورسوخه فى التعامل مع الأزمة؟ كيف أدارتْ مؤسسةُ الرئاسةِ الأزمةَ، بقيادة جمال مبارك، نجل الرئيس، هو ومجموعة صغيرة حوله، كنتُ على اتصال دائم بهم، أقول: هو والذين معه فشلوا جميعاً فى اتخاذ القرارات الصحيحة فى الوقت المناسب من عمر الأزمة؟! ورأيت كيف تعامل الجيش- الذى كنت على اتصال دائم معه- مع هذه الأزمة منذ اللحظة الأولى.
■ من كتاب «الأيام الأخيرة لنظام مبارك»- صدر فى يناير 2012
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع