بقلم - عبد اللطيف المناوي
توقف العالم لفترة من الزمن، تطبيقات الـ«سوشيال ميديا» بها عطل وجارٍ إصلاحه. الجميع أصابهم الهلع، البورصات العالمية تحركت بشكل «أميبى» غير مفهوم. الناس تناولوا هواتفهم يبحثون عن السبب، ويبحثون عن المخرج، كلٌّ تصور فى البداية أن العطل خاص به، كلٌّ تصور أنه المقصود بهذا العطل. أكثرهم ذكاءً كان يبحث وراء أخبار عن العطل فى محركات البحث.
وأقلهم كان يبحث عن معلومة عند صديق أو قريب أو شخص له باع فى التكنولوجيا. أتصور أن وقت عطل وسائل التواصل الاجتماعى أُجرى فيه أكبر عدد من المكالمات للاطمئنان أن العطل عام، وليس خاصًّا. أتصور أن العالم فى هذا الوقت على وجه التحديد أُصيب بهزة اجتماعية شديدة.
والهزة الاجتماعية بقدر ما ظهرت على وقع الحدث الأبرز عصر الثلاثاء، بقدر ما كانت وسائل التواصل هى السبب فيها، بأدوات ناعمة تؤتى تأثيرها على المدى الطويل. لقد حلت تلك الوسائل محل الكثير من وسائل التواصل الإنسانى، والتى كان أحدثها المكالمات الهاتفية، لن أسرح بآمالى أكثر من ذلك وأقول الزيارات العائلية وجلسات الأصدقاء، التى حتى وإن كان البعض يحافظ عليها.
إلا أن أياديهم بفعل الغزو الناعم لوسائل التواصل صارت تبحث دائمًا عن الهواتف الذكية التى تمتلئ بتطبيقات التواصل، ومن ثَمَّ التواصل مع العالم اجتماعيًّا بشكله غير المباشر، ومحو آثار الاتصال المباشر به.
العالم توقف نعم، وعرفنا قدر وسائل التواصل فى تغيير أمزجتنا، وحالة الهلع التى تنتابنا خشية أن يُمحى جزء مهم من تاريخنا الحديث، سواء كان هذا التاريخ عبارة عن منشورات أو رسائل بين الأصدقاء، أو حتى رسائل عملية.
العالم توقف، وتصور الكثيرون ممن ينتمون إلى جيل (z) المولودين فى عصر الإنترنت أن صلات أرحامهم قد قُطعت عن العالم، أما مَن هم أمثالى وأمثال أجيال أكبر وأقل قليلًا ممن عاشوا حياة الراديو والتليفزيون والقنوات الثلاث وبرامج «نادى السينما» و«أوسكار» و«العالم يغنى» ومسلسلات «الضحية» و«الرحيل» و«أبنائى الأعزاء شكرًا» وفيلم السهرة، والجلسات العائلية، وتجمعات المناسبات، والسير لساعات بمتعة مع صديق، أصابهم الحنين لهذا العصر. عصر بلا «سوشيال ميديا»، وبلا تواصل اجتماعى غير مباشر. عصر كانت الحياة فيه مفتوحة، وكان الخيال فيه أكثر رحابة وأفقًا.
لست ضد التطور بكل تأكيد، ولست ضد التقدم التكنولوجى وما يُحدثه من ثورات فكرية وعملية هائلة، إلا أن مثل تلك الأحداث قد تُعيدنا إلى خبراتنا السابقة، التى كدنا ننساها بفعل هذا الجرى السريع فى المكان وراء أشياء غير ملموسة على الجانب الإنسانى.
العالم فى دقائق صار عالمًا قديمًا، كان صادمًا للبعض، وكان مريحًا للبعض الآخر، لكنه عاد من جديد إلى حالته الاصطناعية بكل ذكائها وتطورها وقدرتها الكبيرة على تواصل الأرحام التكنولوجية وقطع الأرحام الطبيعية.