بقلم - عبد اللطيف المناوي
الأمر ليس هزلًا، فالعالم يواجه أزمة غذاء حقيقية. وبقع عديدة من الكرة الأرضية قد تواجه مجاعات مستمرة، إذا تفاقمت الأزمة، وتدهورت الأوضاع.تقرير «بؤر الجوع الساخنة» الصادر بشكل مشترك بين منظمة «فاو» وبرنامج الأغذية العالمى للأمم المتحدة، الذي صدر منذ فترة، أكد تدهور الوضع الغذائى في 20 دولة تُعرف بـ«النقاط الساخنة»، ومن بينها دول عربية، مثل: سوريا، ولبنان، والسودان، والصومال، واليمن، وموريتانيا.
الأزمة لها تاريخ بكل تأكيد، وتاريخ طويل أيضًا، تاريخ خاص بعدالة توزيع الثروات الغذائية في العالم، وانقسام الدول ما بين مورد غنى ومستورد فقير، فضلًا على سياسات خاطئة لعدد من الدول الكبرى والمنظمات الأممية المعنية، والتى صدمها أن يكون العالم قاب قوسين أو أدنى من مجاعة! وكأنها أتت فجأة.
الأزمة اتضحت معالمها بقوة، رغم التحذيرات السابقة عليها، أثناء فترة الانغلاق بسبب جائحة الكوفيد. وقتها حذر كثيرون بأن هذا الانغلاق لن يفيد الاقتصاد العالمى، ولن يفيد الدول الفقيرة التي انقطعت أو قلت لديها سلاسل الإمدادات الغذائية. كان عام الانغلاق صعبًا على كثير من البؤر الساخنة في العالم، فيما كانت عودة الحياة إلى طبيعتها مؤشرًا جيدًا في محاولة كبح جماح الأزمة، إلا أن العالم استيقظ بعد ذلك على وقع الحرب الروسية- الأوكرانية، والتى هددت واحدًا من أهم عناصر الإمدادات الغذائية، وهو الحبوب.
في فبراير الماضى، ومع اندلاع الحرب، تسببت العقوبات الغربية في تقييد الصادرات الروسية عمومًا، وصادراتها من الغذاء والمُنتجات الزراعية بشكل خاص، كما أن سيطرة روسيا على أجزاء واسعة من جنوب وشرق أوكرانيا، بما فيها من مساحات مزروعة، وإحكام سيطرتها على كثير من موانئ أوكرانيا، ومنعها من التصدير عبر الموانئ الأخرى- فرضت قيودًا واسعة على الصادرات الأوكرانية.
وعلى هذا فإن العالم صار مع وقع هذه الحرب محرومًا من نحو 32% من صادرات القمح على مستوى العالم، وهى الكمية التي تصدرها الدولتان: روسيا وأوكرانيا، فضلًا على حرمانه من 19% من الشعير، و4% من إمدادات الذرة، وهى أرقام كبيرة لا تستطيع الزيادة في زراعة أي من المحاصيل تلك في أي دولة، تأمينها.
نعم، يطلب الأمريكيون من دول الخليج زيادة ضخ البترول والغاز في العالم لمواجهة نقص الإمدادات الروسية لدول أوروبا، ولكن كيف سيطلبون من دول أخرى أن تزيد من إمدادات الغذاء، وهى بالكاد تكفى شعوبها.
بسبب الحرب، عُطلت الأنشطة الزراعية في أوكرانيا، ومُنعت بعض موانيها من التصدير، وقل توريد لوازم الزراعة، وبالتالى ارتفع ثمنها، وثمن الوقود اللازم للزراعة كذلك، وبالتالى فإن المعاناة طالت الجميع، الدول المتقدمة، والأخرى النامية، والأخيرة تأثرت أكثر. لهذا فإن البحث عن حلول أو مسكنات لهذه الأزمة قد شغل الكثيرين، لكن هل يفلحون؟!.