بقلم - عبد اللطيف المناوي
عندما أُضيفت مهمة رئيس تحرير جريدة «المصرى اليوم» إلى مسؤولياتى فى هذه المؤسسة كان ذلك فى ظل ظروف خاصة، كانت نيتى أن أنقل هذه المسؤولية إلى مَن يتحملها خلال أسابيع قليلة، وقررت أن أضع تعبير «رئيس التحرير المكلف» على «الترويسة» قبل اسمى.
لكن، أيضًا، ظروف أخرى أدت إلى أن أقرر إلغاء وصف «المكلف» حماية لوزن المؤسسة، لذا تحملت المسؤولية كاملة منذ خمس سنوات، لم أتوقف خلالها عن البحث عمن يصلح لتولى «المسؤولية»، ولا أسميه «المنصب».
وكما يقول الأدباء فى جملتهم الكلاسيكية فإن «مياهًا كثيرة جرَت فى النهر»، لم تكن كلها فى هدوء انسياب المياه، بل حملت أحيانًا من صفاته «الهدير»، لكن ظلت تلك الصحيفة، التى أجاد أحد الأصدقاء فى وصفها بـ«الصحيفة الاستثناء»، مستمرة فى طريقها، باقية تواجه أزماتها وتتخطاها.
كان جزء أصيل من التحديات التى واجهتها هو تحدى البقاء فى ظل التغيرات المهمة التى واجهت وتواجه صناعة الإعلام بشكل عام، والصحافة على وجه الخصوص، أيضًا الضغوط الاقتصادية الهائلة، كانت تحديًا آخر جسيمًا، وهنا أستحضر جزءًا من تقرير تقدمت به إلى مجلس إدارة المؤسسة منذ حوالى ثلاث سنوات تحت عنوان «المصرى اليوم.. مستقبل واعد لكن بشروط»، أستأذن المجلس فى نشر فقرة قصيرة من مقدمته:
«أستطيع أن أعيد أصل المسألة إلى أنه لم تلحظ المؤسسة خلال السنوات الأخيرة أن هناك تراجعًا خطيرًا فى معادلة صناعة الإعلام بشكله التقليدى، وأن الـbusiness model الذى كان سائدًا يتغير وبسرعة، أيضًا مساحة التميز التى امتلكتها المؤسسة تتراجع. قد يكون الإدراك حاضرًا، ولكن الأكيد أنه لم يحدث ما يمكن أن يتوازى مع هذا الإدراك. وهنا أقصد أن الخطوات أو القرارات وتنفيذها لم تتوازَ مع حجم المخاطر أو إدراكها (..) السؤال المهم هو: هل تمتلك المؤسسة قدرة الاستمرار والنمو، أم أن الوقت قد حان لانسحاب كريم يحافظ على القيمة المهمة للمؤسسة، التى استطاع أصحابها وإدارتها أن يحققوها خلال الخمسة عشر عامًا الماضية؟. للإجابة عن هذا السؤال، أستعرض مجموعة من العناصر التى تشكل الإجابة عن هذا السؤال المصيرى..».
كانت الإجابة يومها قاطعة بالاستمرار أيًّا كانت التحديات. خلال هذه الأعوام استطعنا أن نغير المعادلة، واعتمدنا التحول إلى الديجيتال الذى أصبح هو الطريق، وأصبحت المؤسسة تغطى مصروفاتها الأساسية دون دعم أو تدخل من المُلّاك، بل مع هامش صغير من ربح فى العام الأخير، وتخففت من عشرات الملايين من الجنيهات التزامات متراكمة عبر السنين. والأهم من ذلك، ظل اسم المؤسسة حاضرًا ومحتفظًا بتميزه فى صناعة الصحافة فى مصر والعالم العربى.
لم يتوقف طوال الوقت أملى فى أن يأتى مَن يحمل المسؤولية «الممتعة» رغم كل شىء لأحقق رغبتى فى استمرار العمل لتحقيق إنجاز شخصى تحُول دونه تلك المسؤوليات الكثيرة والحرجة فى إدارة مؤسسة «استثنائية»، كما وصفها صديقى، وأمّنت على وصفه. ويبدو أن الوقت قد اقترب ليتسلم مَن تستقر عليه الإدارة المسؤولية بعد قبول رغبتى، وأستطيع وقتها التفرغ للإنجاز الشخصى واللقاء اليومى مع القراء.